للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفعًا غيبيًّا فهذا هو عمل المشركين سواءً.

ومما يدلُّ على هذه التفرقة ما نقله ابن حجرٍ الهيتميُّ في كتابه المذكور عن الروضة (١)، ولفظه: «وليس من هذا ما يفعله كثيرون من الجهلة الظالمين من السجود بين يدي المشايخ؛ فإن ذلك حرامٌ قطعًا بكلِّ حالٍ، سواءٌ أكان للقبلة أو لغيرها، وسواءٌ قصد السجود لله أو غفل. وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر، عافانا الله من ذلك» اهـ (٢).

فأما سجود الملائكة لآدم، وسجود آل يعقوب ليوسف, فذاك طاعةٌ لله عزَّ وجلَّ كان عندهم بذلك من الله سلطانٌ.

فإن قلت: وكيف يكون الشيء كفرًا وقد كان مثلُه إيمانًا؟

قلت: ليس السجود للمخلوق بأمرٍ واحدٍ، بل ثلاثة أمور: إن أنزل الله به سلطانًا كان إيمانًا. وإن لم ينزل به؛ فإن لم يقصد به التديُّن كان معصيةً، وإن قصد به التديُّن كان كذبًا على الله تعالى وشركًا.

أَوَ لا ترى أنَّ آدم وأولاده لصلبه كانوا يستحلُّون نكاح الأخت, ولو استحلَّه مسلمٌ لَحُكِم عليه بالردَّة إجماعًا؟ وهكذا لو ترك المسلم إحدى الصلوات الخمس بعد شَرْعها منكرًا لوجوبها لكان مرتدًّا، ومَن تركها قبل شرعها نافيًا لوجوبها [٤٨٣] لا حرج عليه، بل مَن تركها بعد شرعها جاهلًا لوجوبها معذورًا لا حرج عليه، وذلك كقريب العهد بالإسلام.

فإن قيل: إن الحكم بردَّة مستحلِّ نكاح الأخت من المسلمين ومنكر


(١) روضة الطالبين ١/ ٣٢٦.
(٢) الإعلام ص: ١٣. [المؤلف]