للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالحديث يدلُّ على كراهيةٍ مَّا للاسترقاء، وحقيقته: سؤالك من رجلٍ أن يرقيك، وذلك سؤالٌ لنفعٍ دنيويٍّ، فأمَّا أن يجيئك رجلٌ فيرقيك بدون أن تسأله فلا كراهة فيه؛ فقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يرقي، وعرضوا عليه رقيةً، فقال: «ما أرى بها بأسًا، مَن استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه» (١).

وفي الصحيحين عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى نفث على نفسه [٥٢٧] بالمعوِّذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفِّي فيه طَفِقتُ أَنفُثُ على نفسه بالمعوِّذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عنه (٢).

وهذا الفرق شبيهٌ بالفرق بين سؤال المال وقبول العطاء، ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه منِّي، فقال: «خذه، إذا جاءك من هذا المال شيءٌ وأنت غير مشرفٍ ولا سائلٍ فخذه، وما لا فلا تتبعْه نفسك» (٣).

وكان ابن عمر وأبو هريرة وغيرهما من الصحابة رضي الله تعالى عنهم


(١) انظر: صحيح مسلمٍ، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين ... ، ٧/ ١٩، ح ٢١٩٩ (٦٣). [المؤلف]
(٢) البخاريّ، كتاب المغازي، باب مرض النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، ٦/ ١١، ح ٤٤٣٩. مسلم، كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوِّذات والنفث، ٧/ ١٦، ٢١٩٢. [المؤلف]
(٣) البخاريّ، كتاب الزكاة، باب مَن أعطاه الله شيئًا من غير مسألةٍ ولا إشراف نفسٍ، ٢/ ١٢٣، ح ١٤٧٣. مسلم، كتاب الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أُعطي من غير مسألةٍ ولا إشرافٍ، ٣/ ٩٨، ح ١٠٤٥. [المؤلف]