للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا حديث ابن عبد البرِّ فنقل صاحبُ روح المعاني عن الحافظ ابن رجب أنَّه قال فيه: [٥٥٣] ضعيف، بل منكر (١).

قلت: وقد عثرت له على علَّة قادحة بَيَّنْتُهَا في رسالتي «عمارة القبور» (٢).

وزيارة القبور والسلام على المدفونين بقول: «السلام عليكم أهل ديار قوم مؤمنين» ثابت، وليس هو بصريح في أنهم يسمعون، فيحمل على أن المراد سؤال الله تعالى أن يُبلِّغَهُم السلام، وإنما أُوْرِدَ الكلام بلفظ الخطاب لحضور ما يذكرِّ بهم وهو قبورهم، كما نرى الناس إذا رأوا جنازة ميت قالوا: رحمك الله، أو غفر الله لك، ولا يريدون بذلك إسماعه، ولا يرون أنه يسمع، وهكذا نرى الناس إذا رأوا صورة يعرفون صاحبها ربما يخاطبون الصورة كأنهم يخاطبون صاحبها فيقولون: ما جاء بك إلى هنا، ونحو ذلك.

والحاصل أنَّ استعمال الخطاب في غير موضعه كثير في اللغة وفي عرف الناس، ومهما يكن في هذا التأويل من خلاف الظاهر فإنَّ [٥٥٤] ارتكابه أهونُ من ارتكاب تأويل الآيات القرآنية، والله أعلم.

فأمَّا ما تقدَّم من سماع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ففي صحَّة تلك الآثار نظر، وقد لا يبعد أن تكون تلك خصوصية له بأبي هو وأمِّي، ولكنَّ سؤال الموتى على كل حالٍ طلبُ نفع غيبيٍّ؛ لأنَّه لا يُدْرَك بالحسِّ والمشاهدة أنَّ الموتى يسمعون أو يضرُّون وينفعون أو يدعون ويشفعون وإن كنا عند قبورهم، وليس عندنا


(١) انظر: روح المعاني ٦/ ٤٥٦. [المؤلف]. وقد مرَّ تخريجه ونقل كلام ابن رجب قريبًا ص ٨١٢.
(٢) لم أجده في عمارة القبور المطبوع.