للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالله تعالى شيئًا من النَّاسوت، وتحقيقه أن الإنسان إذا خُلِّيَ ونَفْسَه أدرك لا محالة أنَّه يقدِّر بقَدْرين ... (١).

ثم إنَّ مِن طباع النَّسَمة أنها لا تزال تفتِّش عن حقائق الأشياء وتجعل بعضها ممتازة عن البعض وذلك لقوَّته (٢) العلمية، فإذا تفطَّنت بتأثير عجيب لم تذره سُدًى، بل ناطه بشرفٍ موجود في مظهره وفضلٍ وعظمة فيه وأحبَّه حبًّا، فإن كان التأثير تأثيرًا يبعد عن أبناء جنسه في زعمه تبعه اعتقاد الشرف المقدَّس والفضل المتعالي والمحبة السابغة بالضرورة، ثم إن تكرَّر صدور مثل هذه التأثيرات منه أو تجشَّم تكرار ذكرها ارتكزت تلك المحبة وذلك التعظيم [٥٧٤] في قلبه ودبّ الإشراك بالله تعالى في عقيدته وهو لا يعلم، وذلك لأن معرفة الإنسان بربه إنما ملاكها معرفة المغايرة الجنسية، فيعرف جنس الناسوت منقهرًا بما ليس من جنسه، فلما أثبت له العظمة المقدَّسة وأحبه حبًّا مقدَّسًا، فقد حكم عليه بتفوقه عن جنس الناسوت في ضمن ذلك وهو لا يشعر.

والمرضى بهذا المرض على أصناف:

فمنهم من نسي الله تعالى وعظمته واضمحلَّ (٣) عنه، فجعل لا يعبد إلا الشركاء ولا يرفع حاجته إلا إليهم، ولا يلتفت إلى الله تعالى لفتة وإن كان يعلم بالنظر البرهاني أنَّ سلسلة الوجود لا بدَّ لها من واحد يستند إليه، ولكن عَطَّل هذا الواحدَ في التأثير مطلقًا، وعلى هذا المذهب قوم من المجوس والصابئين ...


(١) حذف المؤلف هنا صفحة وخمسة أسطر. والمراد بقوله «يقدِّر بقدرين» أن العبد يُدرك التفاوت بين قدر نفسه وأبناء جنسه وبين قدر الخالق.
(٢) كذا في الأصل والبدور البازغة، ولعل التذكير في الضمير هنا وفي المواضع الآتية على تأويل النسمة بالإنسان أو الشخص.
(٣) كذا في الأصل، وفي البدور البازغة: وذهل.