للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن الألفاظ المستعملة في الشرف المقدَّس والشرف الناسوتي أكثرها متقاربة، ألا ترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لطبيب: «إنما الطبيب هو الله تعالى وإنما أنت رفيق» (١)، فلم (٢) يسوِّغ إطلاق [٥٧٦] الطبيب على رجل من بني آدم بالمعنى الثاني، وكذلك يقول: «السيد هو الله تعالى» (٣) , ثم يقول: «أنا سيِّد ولد آدم» (٤) بالمعنى الثاني.

فكل نبيٍّ بعث في قومه زجرهم عن وجوه الشرك فتبرَّأ قلوبهم عنها وفهموا ما يقوله وإن اشتبهت الألفاظ، ثم لما انقرض الحواريُّون من أصحابه ووصاة دينه وحملة علمه ورُفعت الأمانة عن قلوب الناس خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وحملوا كلام النبي على غير محمله، وجعلوا الشفاعة والمحبوبيَّة وغيرهما التي أثبتها النبيُّ لنفسه


(١) الحديث في مسند أحمد ٤/ ١٦٣، بلفظ: «أنت رفيقٌ، والله الطبيب». [المؤلف]. وفي رواية أخرى لأحمد ٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧: «لست بطبيب، ولكنك رفيق». وهو أيضًا في سنن أبي داود (٤٢٠٧) بلفظ: «الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق».
(٢) في البدور: «ثم»، وعلى هذا يكون المراد بالمعنى الثاني: تشخيص المرض ووصف الدواء. وأما على ما في الأصل فالمراد به: إزالة المرض وإحداث الصحة.
(٣) الحديث في مسند أحمد وغيره بسندٍ على شرط الشيخين: قال الإمام أحمد: ثنا حجاج، حدثني شعبة، قال: سمعت قتادة قال: سمعت مطرِّف بن عبد الله بن الشخِّير يحدِّث عن أبيه، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنت سيِّد قريشٍ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «السيِّد الله»، قال: أنت أفضلها فيها قولًا وأعظمها فيها طَولًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليقلْ أحدكم بقوله، ولا يستجْرِه الشيطان». مسند أحمد ٤/ ٢٤ - ٢٥. وله عنده وعند غيره أسانيد أخرى، مع خلافٍ في بعض الألفاظ. [المؤلف]. وانظر: سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في كراهية التمادح ٤/ ٢٥٤، ح ٤٨٠٦.
(٤) الحديث في صحيح مسلمٍ، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلائق، ٧/ ٥٩، ح ٢٢٧٨، بلفظ: «أنا سيِّد ولد آدم يوم القيامة ... ». [المؤلف]