للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كنت بسطتُ الكلام على شبهتهم وردِّها ثم عدلت عن ذلك؛ لأني وجدتُ الله تعالى قد سحق شبهتهم ومحقها بحيث لم يبق لها عين ولا أثر، وذلك بقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] وغيرها من الآيات، وقد تقدَّم الكلام عليها (١).

وأما قول بعض المسلمين فخطأ منهم كما تقدَّم.

الفريق الثاني: من لا يثبت للملائكة اختيارًا إلَّا في الشفاعة على تردُّد منهم في ذلك، ومن هؤلاء مشركو العرب، وقد تقدَّم أن قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] يبطل شبهتهم أيضًا، في آيات أُخر، ولكن لا بأس بالإطناب في هذا الباب فأقول:

شبهة هذا الفريق هي القياس على ملوك الدنيا كأنهم يقولون: إننا نرى الملِك من ملوك الدنيا لا يخلو أن يكون لديه أشخاص مقرَّبون تعرض الناس عليهم حوائجهم، فيعرضها المقرَّبون على الملك، ويسألونه قضاءها فيقضيها إكرامًا لهؤلاء المقرَّبين. ويعدُّ هذا من تمام عظمة الملك؛ لأنَّ من الحوائج ما لا يحسُن عرضها على الملِك بدون واسطة، ومن أصحاب الحوائج مَن لا يليق لمخاطبة الملك؛ إمَّا لدناءته وإما لإساءة تقدَّمتْ منه، [٥٨٥] ومنهم مَن لا يستحق أن تقضى حاجته ولكن إذا شفع فيها أحد المقربين قضاها الملك؛ لأن ذلك المقرَّب يستحق الإكرام.

الجواب: قد أبطل الله عزَّ وجلَّ هذه الشبهة بإخباره أنَّ الملائكة لا يشفعون إلا بعد أن يأذن لهم، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، فهم بغاية التعظيم


(١) ص ٣٤٩.