المعلنة وتعذر وصوله للسباب الوجدانية العميقة! فالحادث التاريخي هو في جوهره حادث نفساني يصدر عن إرادة وعاطفة، ولكن الإرادة والعاطفة تظل مقنعة محجبة بينما تبرز عوامل غيرها يراد إبرازها وإظهارها وهي التي يقبض عليها المؤرخ ويتعلق بها ويجعل منها عماد بنيانه.
تسقط اليوم وزارة وتخلفها أخرى ويتساءل الناس عن الدوافع ويختلفون بين مهاجم ومدافع، وتنشر الصحف الوثائق الرسمية فإذا فيها. . . أسباب صحيةّ أما الأحقاد والمنافع وما يختلج في النفوس من حب وكره وتعاطف ونفور فهي لا تدخل في حساب التاريخ لأنها عناصر هوائية غير مرئية، لا واضحة ولا مصرحة.
بيد أنها - كما تعلم - لب الباب من سياسة بلادنا الداخلية.
وتتعالن الدول عن رغبتها الأكيدة في العدل والحرية والمساواة وتعقد المؤتمرات على هذه الأسس وتوقع الوثائق والمواثيق فيتقبلها المؤرخون نهمين شرهين. . . ويلهم من مغفلين! أو ليس باسم الحرية والعدل والمساواة تتحكم اليوم فرنسا برقاب أبناء عمومتنا في المغرب الدامي؟! قد يقول لك المؤرخون: نحن يعنينا الحادث نفسه، فهل سقطت الوزارة أو لم تسقط؟ أما الأسباب فليس من شأننا الخوض فيها ما قيمة الحادث في ذاته أيها السادة؟ وما التاريخ إذا لم يكن أسبابا ونتائج؟
هؤلاء النقاد الجادون الوقورون لا شك أنهم مغالون بعض الشيء فليست الركائز التي يستند إليها التاريخ متأرجِجة غير موطدة إلى هذا الحد، على أن الحيطة في تقبل كل ما يسطره التاريخ واجبة، والحذر ضروري. وإن كان لهؤلاء النقاد من فضل فهو في إقامتهم الدليل على أن التاريخ لا يمكن أن يكون علماً ثابتاً يمكن صوغه في قوانين ومعادلات. على أن (الطعن في التاريخ أسهل من الاستغناء عنه) - كما يقول هالفن - وسيظل التاريخ (ذاكرة البشرية) تستمد من تجربته وتستنير بسوابقه، لك عظته لا يصح أن تؤخذ دستورا لا يخطئ بل لعل دستور التاريخ الوحيد هو إن ليس له دستور وإن الحادث الواحد لا يتكرر أبدا.
وجل ما قصدت إليه في هذا المقال أن ألفت الأنظار إلى (نسبية) الحقائق التاريخية، ولولا ذلك لما وجدنا التناقض بيننا واضحا بين كتابين في التاريخ لأمتين متعاديتين، ولولا ذلك