للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على صدغيها وجمعته في قمة رأسها، وفي تمثال آخر تشاهد وقد جلست على صخرة وأدارت رأسها ووضعت أحدى ساقيها على الأخرى وسترت جسمها بثوب فضفاض ينزلق قليلا عن كتفيها، وترى أيضا على شكل امرأة واقفة وممسكة بعنقود من العنب أو بثمرة أخرى، وتمثل كذلك بامرأة راكعة متضرعة تمديدها مسترحمة، ويمكن معرفتها في كل الحالات التي ذكرناها من أجنحة الفراشة التي تخرج من كتفيها، وقد صارت أجنحتها تخرج في التماثيل الصغيرة المتأخرة من صدغيها، ويوجد في متحف جنيف خمسة أحجار منقوشة تمثلها على هذا الشكل مع اختلافات بسيطة، كما يوجد حجر آخر منقوش في متحف برلين يمثلها وهي نصف عارية وقد أمسكت بيدها فراشة وألصقتها على يديها.

ولم تلبث هذه المواضيع أن أخذت تغري النحاتين الكبار، ففي متاحف اللوفر والكابتيول وفلورانس ونابولي وبرلين تماثيل كبيرة يرجع تاريخها إلى العهد الروماني تمثل بسيشه وهي حالمة أو متوسلة. وكلها دقيقة الصنع ذات جمال فني باهر يخيل للمتأمل فيها أن (برا كزتيل) المثال العظيم قد منحها كل ما في عبقريته من لطف ورشاقة وكل ما في يديه من افتنان وصنعة. فسماؤها رقيقة ناعمة يغشيها شيء من الكآبة، وأشكال جسمها الفني متناهية في الظروف كان الشباب الذي تطفح به أو شك أو قارب أن يبلغ الدرجة المثلى من إيناعه أضف إلى هذا كله أنها تجبرك على العجاب بلطفها الإلهي وعلى الرثاء لهذه الفتاة الممثلة فيها والتي حكم عليها أن تجتاز المصاعب وتمر في التجارب.

وقد عبر الفن الهلنسي عن انحطاط الروح المؤقت بأشكال وأوضاع تطفح بالنبل. فرمز إلى تجارب الروح بمشاهد تدل على كبر في النفس واقتصاد في التعبير وهدوء في إيضاح العواطف، فأحيانا يمسك (إيروس) بيده اليمنى فراشة ويضع يده اليسرى على صدره، وأحيانا يمثل كيف فتنت الروح بالحب، وليس من مشهد شعري يعدل المشهد الذي يمثله التمثال الصغير المعروف باسم تمثال (ميكار).

إذ يرى فيه (إيروس) وقد وضع على رأسه إكليلا من أوراق النبات وعقد شالا على كتفه الأيمن وأمسك مزمارا وبدا يعزف عليه وهو مستند على سارية إلى جانبها ركيزة فوقها بسيشه بجناحيها المبسوطين ويديها الموضوعتين على صدرها.

ويرمز هذا التمثال إلى عاطفة مركبة ويمثل التقاء الروح بالحب الذي بدأ يغويها بموسيقاه

<<  <  ج: ص:  >  >>