للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجعلت ترقص على نفحاتها الإلهية.

بيد إن التقاء الروح بالحب لا يجري على الأرض دوما على هذا الشكل الشعري فلدينا في متحف دمشق تمثال صغير من الفخار قد تحطم جزء منه، وهو يمثل بسيشه جالسة وشبه عارية وقد وقف (إيروس) إلى جانبها وهو يشد وثاق يديها خلف ظهرها، وقد أحب الفنانون كثيرا موضوع عذاب الروح بالحب فنوعوا فيه، وجعلوه أحيانا مشهدا فاجعا، فأحجار العصر الاسكندري المحفورة ترينا بسيشه موثقة وإيروس يقبض عليها من شعرها، أو أنه يحرقها على لهيب مشعلة، وترى أيضا موثقة إلى عربة يقودها معذبها أو مربوطة على عمود وتحوم حولها فراشة، وقد امسك إيروس بقضيب وهم بأن يجلدها.

ولم يلبث فن نحت التماثيل الكبيرة إن تأثر بهذه المواضيع فجعل يمثل عذاب الروح في أوضاع مسرحية تدل على عواطف العصر الزاخرة، ومتاحف اللوفر واللاتران والفاتيكان وطولوز تحوي نماذج رومانية ترينا بسيشه راكعة ومتوسلة وايروس يدوسها بكبرياء أو يقف بقربها صامتا لا يحير، وهو يخفي ما يجول في خلده ويختلف تعبير ملامحه بين القسوة والرحمة.

وعندما تبلغ آلام الروح والحد الذي يجب أن تبلغه وتطهر على لهيب النار تظهر المعجزة، فيدير معذبها رأسه متألما ويمسح دموعه المنحدرة على خديه. ولا يلبث أن يحيطها بذراعيه فتستسلم إلى مداعباته وقبلاته السماوية.

وعندها تتوصل الروح إلى أن تتأمل الجمال السماوي وجهاً إلى وجه وأن تبلغ السعادة النهائية بامتزاجها مع أجمل وأنبل العواطف التي شعرت بها. ويعبر في الفن عن هذه اللحظة المثلى بشكلي أيروس وبسيشه وهما متعانقان، ويوجد لوحة برونزية عهدها من القرن الثالث قبل الميلاد محفوظة في متحف برلين تمثل (ايروس) على شكل شاب مستند إلى صخرة وإلى يمينه بسيشه وقد لفت ذراعها الأيمن حول عنقه، أما ذراعها الأيسر فتستند به على كشحها، وهي تدير رأسها الذي يحاول أن يمسكه ايروس بيده. فهي تتهرب هنا مما يعرضه عليها من حب وغرام. بيد أنه وجدت تماثيل فخارية في مدينة (ابفيز) القديمة وفي غيرها من مدن آسيا الصغرى يرجع تاريخها إلى القرن الثاني والأول قبل الميلاد، يشاهد فيها الحبيبان معتنقين وتكاد شفاههما تلتصق على الرغم من الحياء الذي ما

<<  <  ج: ص:  >  >>