للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأنا سابقاً في الكتب والتواريخ أخبار عقد مؤتمرات واجتماعات وتأسيس جمعيات عديدة من هذا القبيل، ولنفس الغاية، وهي الوصول إلى حلول مناسبة تؤمن مصلحة الجميع وتزيل الخلافات وتنشر راية السلام في ربوع العالم، إلا أن النتائج التي نتجت في الماضي وتنتج في الحال وستنتج في المستقبل من هذه المؤتمرات والاجتماعات والمباحث كانت عكس المطلوب تماماً. فلا يكاد عقد المؤتمر ينفرط إلا وتبدأ الخلافات والمنافسات من جديد، هذا إذا لم يختلف المؤتمرون أثناء انعقاد المؤتمر ويخرجوا منه بدون نتيجة ويعودوا إلى التناحر والتنافس الذي أدى ويؤدي في أغلب الأحيان إلى امتشاق الحسام وزج البشرية من جديد في حروب وقودها الناس والأنفس البشرية البريئة والأموال الكثيرة، ونتائجها تخريب المدن وتهديم المصانع والمدارس، وتيتيم الأطفال، والقضاء على الملايين العديدة من البشر وتأخير سير البشرية آلاف السنين إلى الوراء وهكذا إلى ما شاء الله حتى أصبح قسم عظيم من الناس_حتى الذين أوتوا نصيباً وافراً من العقل والإدراك والدراية، وعلى رأسهم مالتوس شيخ المتطيرين والمتشائمين_يعتقدون اعتقاداً جازماً إن الحرب سنة طبيعية لازمة وضرورية للبشرية لزوم الماء والهواء للحياة، وإنها من السنن الطبيعية الكونية التي ترتكز عليها الحياة البشرية والتي لا يمكن تغييرها ولا تبديلها، ويوردون أدلة وبراهين شتى لإثبات نظريتهم هذه. ولا يقنعون بما يسرد لهم من الأدلة القاطعة والبراهين الجازمة المعاكسة لتلك النظرية الراسخة في أدمغتهم رسوخاً قوياً منذ أقدم الأجيال، بالنظر للتربية المادية الاقتصادية النظرية التي تلقوها في المهد من أمهاتهم، وعلى مقاعد الدرس من أساتذتهم، وفي صفحات الكتب التي يقرؤونها، والمبادئ التي يتثقفونها في محيطهم وبيئتهم ووسطهم وفي كل مكان وكل مناسبة تاريخ ولادتهم حتى تاريخ وفاتهم، أي من المهد إلى اللحد، لذلك لم يحصل حتى يومنا هذا من كافة الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت منذ فجر التاريخ بنتيجة توصل البشرية إلى سلم عام يعيش فيه الجميع على السواء براحة واطمئنان حاصلين على ما يحتاجون إليه من غذاء وكساء وسكن وعلاج، وما تتطلبه الحياة من الاحتياجات الضرورية الأخرى ولم تنجح البشرية رغم ما قدم إليها من نصائح وما نشأ فيها من مصلحين وما سن فيها من قوانين وأنظمة على اختلاف أنواعها، في الوصول إلى الهدف الأسمى والغاية الحقيقية التي خلقت من أجلها وهي العيش بسلام واطمئنان كما

<<  <  ج: ص:  >  >>