نحو الضواحي لعمل ما وأحياناً تذهب منفردة وإذا ما خطر لأحدهم أن ينصحها بقوله:
- عودي إلى منزلك يا لاتيا فهو خير لك.
علت وجهها سحابة من الحزن ثم قالت:
- وإذا ما أتى. . .؟
فهي تراقب الطرق دون كلل أو ملل وإذا ما ظهر كائن يتحرك على أحدها نهضت واقفة وراحت تحملق فيه منذ أن يظهر نقطة سوداء في الأفق حتى يتضح شخصاً حقيقياً وعندما تعود إلى مقعدها وقد عراها قليل من اليأس. وأحياناً كانت تدور حول بناء الكنيسة دون أن ترد الطرف عن أحد الطرق ولكن لم يحضر ومع ذلك فلم تفقد الشجاعة وتابعت انتظاره حتى في أشد فصول السنة برودة فإذا ما أمطرت السماء لجأت إلى إفريز الكنيسة فاتقت به غضب الطبيعة.
ومن جديد حل عيد الفصح وقد جرت العادة أن يحتفل به في شهر أيلول إذ أن الطقس يكون معتدلاً في هذا الشهر فيتمكن القوم من قضاء ثلاثة أيام على أحسن وجه من التسلية والغناء والعزف والرقص وهي عادة أيام السبت والأحد والاثنين.
هذا ما يحدث في كل عام وفي هذا العام أيضاً فقد جلست لاتيا أمام الكنيسة وهي ترتدي ثوبها البراق بينما التف الجمهور حولها يغني ويعزف ويرقص وهي ساكتة واجمة ترقب الطرق التي غصت بالخلق المتراكم عليها كما يتراكم الذباب على منضدة المطبخ فقد توافدت النساء والرجال والأطفال والعربات والدراجات في المساء نحو الكنيسة ومرت بلاتيا وهي تنظر وتنظر حتى طال الظلام بينها وبين أن ترى أي شيء ولكنه لم يعد. . ومع ذلك فهي تأمل. ومر السبت وتلاه الأحد والرقص والعزف لا ينقطعان حتى حلت الظهيرة. . .
من بعيد وعلى الطريق الشرقي. . الطريق العريض المزفت. . الطريق الأسود الذي يرسل إشعاعاً حزيناً تحت أشعة الشمس والذي تغطيه الرياح بطبقة رقيقة من الغبار على هذا الطريق حوالي الساعة السادسة أي في الوقت الذي خلت فيه الطرق تقريباً من الوفود ظهرت فجأة نقطة سوداء ونهضت لاتيا ممدودة الذراعين وهي تحرك أجراسها الصغيرة. . أليس هو الذي أتى؟ نعم لقد أتى. .