الإنسان، ولكن الفلسفة الإنسانيّة اليوم تنزع أيضاً إلى أن تصاب بداء الأرقام، وهي لا تدلّ على مناعة غير موقوتة، ولا تبشّر بنجاة غير زائلة.
تجزأ العيش الإنساني عندما آدم، وصار إلى أغرق وأغرق، فجعل البشر كرة أبهم الأرضيّة تتألّف من منطقتين، وجعلوا قارّاتها خمساً، وجعلوا أقاليمها سبعة، وجعلوا خطوط الطّول ثلاثمائة وستّين درجة، في سلّم دائري، وفصلوا الشمس عن القمر، وجمعا في النيرين، ونشروا أرقامهم فلحقوا بالسّيارات الّسبع، وأذاعوا في الطبيعة فأعلنوا عليها حرباً ناعمة فتّاكة، حرب الأرقام، وكان منها مدينة الإنسان.
السحر
أمّا السحرة فقد خالفوا الأنبياء في قيمة الأرقام، وجعلوا منها طلاسم وتعاويذ، وأصبحت السبعة رمزاً للفضائل، وأصبحت الثّلاثة عشر إنذاراً بالموت، وصار لكلّ يوم ربٌُ فلكيّ، بل صار لكلّ ساعة ربّ، فربّ الأحد مثلاً هو الشّمس، وهو ربّ الساعة الأولى. والزّهرة ربّ الساعة الثانية، وعطارد هو ربّ الساعة الثالثة، وهكذا، وصارت الطبيعة الفلكية والطبيعية الحيوانيّة والطبيعة الإنسانيّة سلاسل من الكائنات والأرقام فالأفلاك والبروج والحدود والنّوبهرات والبيوت. كلّها اثنا عشرية الأصول، مرقّمة الفروع، كثيرة الأرقام، دقيقة التّرقيم. والبيت الأول يقال له الطالع وهو يدل على الأبدان والحياة والبيت الثاني قال له بيت المال والبيت الثالث يقال له بيت الإخوة. . . والسابع بيت لنّساء وهو يدلّ على النّساء والتزويج وأسبابه والخصومات والأضداد والثاني عشر بيت الأعداء وهو يدل على الأعداء والشقاء والحزن والغموم والحسد والنميمة والمكر والحيل إلى ما هناك.
العلم
ومن السحر نشأ العلم، فكان عمر الشمس وعمر الإنسان، وتأثّر الثاني من الأول، وأصبح عمر الإنسان يقدّر بمائة وعشرين سنة، وكان لسائر الكواكب أعمار على ثلاث مراتب، كبرى ووسطى وصغرى، وأصغر أعمار الشمس تسع عشرة سنة وأوسط أعمارها تسع وثلاثون ونصف، وما لبث أن خُلق الذكاء الإنساني علم الفلك من صناعة السحر والتنجيم، وأصبحت الأرقام روح العلم كما كانت أداة الشعوذة، وأصبحنا نقيس عمر الأرض، وعمر الطبيعة، وعمر الجبال، وغور الوديان والبحار، ومساحة الكرة الأرضيّة وسرعة هطول