الأمطار، ودرجة انصهار الجليد، وتسارع سقوط الأجسام، ووزن كتلة الذّرّة، وقوّة الرّاديوم، وانحراف اتجاه النّور، وبنينا من الأرقام المعادلات الكثيرة المعقّدة النافعة والضّارة، فصنعنا الماء من غازين، وحلّلنا اللحم إلى فحم، وضغطنا حرّية الغاز، ونافسنا الطّير في جوّه، والأسماك والحيتان، وأصبحت لنا غوّاصات وقاطرات، وفوقها خلقنا الّفن الطّائرة التي لنا آذان من غير أسلاك، وتجاوبنا عن بعد، وأتى الرادار فاستفاد من مزج أرقام سرعة الصّوت مع أرقام وزن الأجرام المادّيّة وأرقام قوانين الاصطدام وانعكاس، فتضاءل السّحر أمام العلم، ولكنّ السّحر والعلم يتّفقان في استعمال الأرقام.
الأخلاق
ثمّ عاد الإنسان من الطبيعة إلى الإنسان، فجعل في كلّ شيء رقماً، وجعل الأرقام كلّ شيء، فأراد أن يقيس فعله ورد فعله، كما قاس قوّة الانفجار وقوّة الاستمرار، وحاول أن يجعل الإرادة أقوى وأضعف، أطول وأقصر، وميّز الرّغبة عن التصميم وعن العزم، وقال أنّ القلب له واحد، فبنى الزواج مثنى وثلاث ورباع، ووجد أنّ الجوهر برّاق كعيون حسناء قيمة تقاس بالأرقام، وراقه لون الذهب فشبّه به الشعر الجميل، وجعل من الذهب أقاماً تنقذ ثمن ذات الشعر الجميل، ودرى أنّ جمال البدر هو سنّ الربعة عشرة أو حولها، وأنّ القبح أعظمه في أرقام السّبعين أو التّسعين، ومارس العاطفة فحسب أنّ لها ولادة وموتاً، فوضع أرقام المهر أيضاً نصفها عند الفراق والطّلاق، ووضع (الدوطة) أرقاماً تغسل بها العيوب، وتستر النّقائص، ووجد أنّ الناس في الحب درجات كاحتراق البارود وانصهار الجليد، وصنع ذكاء الإنسان قواعد العرف ومواد القانون، وأصبح القتل يعوّض بالقتل أو بالدنانير، واتخذ الشرف أرقاماً يقدّرها الخبراء في المحاكم وقد لا يكونوا شرفاء، وبانت الأرقام فعّالة جدّاً في المجتمع وفي الأخلاق، بها تقاس الثروة والجاه، وهي تفتح مغالق الرّأي العام، وبها يوزن الضّمير في الامتناع عن الاختلاس، وبها توزن العفّة عند الكذب والتّعمية والبهتان.
الإحصاء
وبعد هذا وذاك، خلق الإنسان فكرة الإحصاء، فصنع سلاحه المرهف الذي به يضاهي سلطان الإله، أو يزعم، أو يريد. فلإحصاء وسيلة تساعد الإنسان على تذليل صعوبات