للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من التفكير بواجب التربية والمعرفة، وفي زوال التفكير شعور بالسعادة.

التاجر

نعم، إن الحياة الدينية مفعمة بالشعر والعاطفة، ولكنها في هذه المدينة صورة أولى واسعة نجد إلى جانبها إشكالاً أخرى من نماذج السعادة. فالتاجر - وان كان مؤمناً - له سعادة تجارية أيضاً يقيسها بالمال ويفصلها عن تعاليم الخير والدين، هذه السعادة التجارية غايتها الربح مهما كلف الأمر، على حساب الفقير قبل الغني، وشعار التاجر في ذلك انه يعيش أبداً، وليس من قيمة للعدل في تحديد الربح والسعر والاحتكار، لا في القانون ولا في الواقع. والسعي إلى السعادة التجارية هو طريق الحلال المباح، لا بأس إن أهمل التاجر في سبيله أمور الحياة الراقية الأخرى من ثقافة وفن ومعرفة واجتماع. . . سعادته تمثل في الراحة من كل مالاً يجلب الدينار، وكل ماعدا المال ترهات فارغة لا تقدر بالأسهم في الشركات.

الجمود

والسعادة في دمشق تبدو في حركة الناس الهادئة، المطمئنة، التقليدية، الصامتة. بلغ من خدرهم وجمودهم أن توفي عندهم الشعور بالصور المزعجة الأليمة التي تشوه الحياة في الشارع والدار. ما أبلغ التفاوت بين مظهر الناس عندنا وبين تفكيرهم وبؤسهم، وكم من طفل مزق التشرد قلبه ورأينا صدره الصغير خشناً عارياً كأخمص قدميه. وبات سروده البريء بطولة في إزعاج الناس، سيما المحسنين، وكم من تفاوت بين أحياء بلد ليس هو أكبر بلد في العالم الآن حتى يستحيل تدارك الأمر، فلا الآداب واحدة، ولا اللياقة تامة، ولا العطف على الشيوخ سائداً، ولا احترام النساء طبيعياً شاملاً.

ورغم ذلك كله. فالحياة العامة في دمشق لها سعادتها العجيبة، وهي سعادة على كل حال. تنقصها الموسيقى، وتنقصها الحيوية، وينقصها الفن، ولكنها سعادة بالمعنى السوري، سعادة لا تتبدل، لان التبدل يقتضي التفكير الصالح والجهد والثبات، بل الجرأة على التفكير والجرأة في بذل الجهد، والجرأة في الثبات. وهذه كلها تتطلب أمراً أخيراً غير الراحة والدعة. والسعادة عندنا جمود وراحة وارتياح.

الأسرة

<<  <  ج: ص:  >  >>