إن حياة المنزل سعيدة عندنا، لولا أنها في بعض أحوال الأسرة أقرب إلى الشقاء. أين احترام جميع الرجال جميع النساء؟ أين التفاهم بين الزوجين أو بين الزوج ومختلف الزوجات؟ أين التعاون في خدمة الوطن عن قصد وشعور؟ نعم، نسمع بتمنيات الإصلاح ولكن أين هو هذا الإصلاح؟ إن سعادة الأسرة تقاس عندنا بالقناعة، قناعة المرأة بأي زوج كان. حتى وان كان لم يرها، وإن كانت لم تعرفه. وهي قناعة الأم بأي ولد كان، هزيل أو قوي، قبيح أو جميل. وهي قناعة أفراد كل أسرة بمصلحة أسرتهم قبل مصلحة الوطن الأكبر، وان الوطن حقاً هو فوق جميع الأسر وصالحه فوق صالح الإقطاعيين.
الحكومة
وأما الحكومة عندنا، فهي سعيدة حتماً، ونحن بها سعداء، ألا تراها تغدق في البناء الهادئ الحكيم الرزين، ونحن في الشرق نعشق كل قول يتسم بالأناة والهدوء والحذر والوقار، وأما الدهر والتطور والزمان فتباً له إن كان لا ينتظر وصولنا، ونحن سنتغلب عندها. . . بالارتجال الوثاب السريع.
التفاؤل والتشاؤم
أما وان كنت يا عزيزي القارئ صابراً كريماً، واسع الصدر عطوفاً، فلا تثريب علي في الابتعاد بك الآن عن الغرب حيث لا نعيش، وعن الشرق حيث يجب أن نلطف القول والنقد، وسنبحث معاً عن السعادة في قبس من نور التاريخ، علناً نلمح هذا الإله الموهوم، الغامض، القصي، الناقص، أو العاجز المسكين. لقد اختلف مفكرو الإنسانية في أمر السعادة وتقديرها من جهة، واتفقوا في الإيمان بها واعتبارها من جهة أخرى، وهم في رأيي خاطئون في الحالين.
إن نجدهم على اختلاف في تقدير السعادة، لكل منهم رأيه، ورأيه يختلف باختلاف مزاجه في الصباح والمساء، في الراحة والتعب، وهم بين متفائل ومتشائم. يرى (معرينا) العظيم أن الحياة كلها تعب ولا أعجب إلا من راغبة وراغب في ازدياد، ويؤكد (شو بنهاور) أننا أبصرنا النور خلال الدموع، وكلما تقدمنا في السن تعقدت أواصر الفاجعة حتى تنتهي بالموت، وليس في الموت سعادة، وما معنى حياة أولها نواح وأوسطها كفاح وآخرها زوال وفناء، غير أن المتفائلين ينكرون البؤس ويرى أحدهمإلا وجود للبؤس في أي حادث كان،