يتطلبها مجتمعنا الحديث. وواسطة التربية هي مجموع الطرق التي تؤدي إلى نقل هذه الصفات إلى الطفل. فإذا أردنا أن نحقق المثل الأعلى الذي نتطلع إليه في تربيتنا الحديثة وجب علينا أولاً أن نحسن إعداد المعلمين الذين سنعهد إليهم في تربية النشء. وعلينا أن نحرر نفوسهم من الفتور والقلق والتواني والتشاؤم. فإن إتقان وسائل التربية وطرق التعليم لا يؤدي على تنشئة المواطنين الصالحين إلا إذا كان المعلم نفسه مؤمنا برسالته لا يستطيع المعلم أن يكون رسولا إلا إذا كان قبل كل شيء مواطنا صالحا. لذلك يجب على طلاب مدارس المعلمين أن يدركوا خطورة المهمة التي رشحوا نفوسهم لها وأن يحصروا جميع قواهم المادية والمعنوية في حسن القيام بأعمالهم ووجباتهم المدرسية وأن يحاسبوا أنفسهم ويسعوا دائما لترقية مداركهم وتنقية عواطفهم وتقوية إرادتهم. وأن يتمسكوا بالأخلاق الفاضلة والأهداف القومية ويراعوا الآداب الاجتماعية ويبتعدوا عن التحزبات السياسية والنزعات الطائفية.
لقد دلت الحرب العالمية الثانية على أن العالم محتاج إلى إنماء الروح الديمقراطية في نفوس جميع الأفراد. وأن فكرة الحرب لا يمكن أن تزول من النفوس إلا إذا تقربت أهداف التربية عند جميع الأمم بعضها من بعض فالأمم العربية لا تستطيع المحافظة على استقلالها إلا إذا عنيت بإعداد معلمين يجمعون بين مبادئ التربية الديمقراطية والأهداف القومية العربية. أن الصف لم يصبح بعد في بلادنا جمهورية صغيرة يتعاون أفرادها في سبيل الخير العام وإنما هو الآن مثال مصغر من أمثلة الحكم المطلق. إن الديمقراطية الحقيقية تدعو المواطن إلى أن ينمي في نفسه صفتين مختلفتين في الظاهر ولكنهما متفقتان في الحقيقة وهما:
الشخصية الفردية والشعور الاجتماعي. وكل صفة من هاتين الصفتين ضرورية في عمرنا الحديث لكل مواطن عربي. فالصفة الأولى تحبب الاستقلال إليه وتحرره من التقليد والإتباع والعبودية الفكرية والاجتماعية والسياسية. والصفة الثانية تدفعه إلى التعاون والتفاهم الاجتماعي وتبادل المنفعة وتحبب إليه الحياة المشتركة والارتباط بالماضي والدفاع عن كيانه السياسي والتطلع إلى مستقبل يضمن له ولأبناء جنسه حياة أكمل من الحياة الحاضرة. فعلى طلاب مدارس المعلمين أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم وهي أن