للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه المغارة الهائلة أن تسمح لنا وللسكان المتقاطرين أن ننظر إلى بعضنا بواسطة منظارات موجهة إلى النظير. ولا حاجة إلى القول من أن الانحناء فوق هذه البئر العظيمة العمق والنظر إليها مخيف جداً، ولا يظهر أن كثيراً منا يتحمل عقبات الدوخة المؤلمة الناتجة عن ذلك. ومن الممكن أيضاً أن نتساءل عن مصير جسم يتساقط في هذه الهاوية. غير أن بلوتارك قد سبقنا إلى هذا السؤال قبل أن يقوم غاليليه بتجاربه المشهورة في سقوط الأجسام وقبل أن يسن نيوتن قوانينه المعروفة بالجذب العام.

وعندها يصبح في إمكاننا أن نجيب على هذا السؤال دون تفكير عميق بأن الجسم سوف يتوقف في مركز الكرة الأرضية وهو المكان الذي يمكن للجذب أن يكون فيه عظيما. وهو جواب يناقض الحقيقة بصورة مضاعفة لأن لقوة الجذب في مركز الأرض قيمة صغرى، وبأن الجسم عندما يبلغ المركز المذكور سيتمتع بقوة كافية للوصول إلى النقطة المتقاطرة، وبعبارة أخرى في إمكانه أن يخترق قطعة من البئر مساوية إلى القطعة التي اجتازها قبلا. وإذا نظرنا إلى المسألة من وجهتها النظرية نرى أن الجسم إذا أهمل لوحده في البئر كان في استطاعته الوصول إلى الفتحة المتقاطرة ثم يعود من جديد على أثر جاذبية مركز الكرة الأرضية إلى النقطة التي ذهب منها، وهكذا دواليك، قائما بحركة اهتزازية دائمة ويؤلف بذلك رقاصا فريدا في بابه. فما هي المدة الكافية لهذا السقوط العميق؟ إن مدة الرحلة إلى ما وراء الأرض تقع في ٨٤ دقيقة أو في ساعة و٢٤ دقيقة، وبكلمة أخرى يصل الجسم الساقط إلى مركز كوكبنا الأرضي في مدة ٢١ دقيقة ويبلغ نقطة التقاطر في ٢١ دقيقة أخرى وسيكفيه ٤٢ دقيقة للعودة إلى مكانه الأول.

ويصل الراحل الأبدي إلى مركز البئر بسرعة ٩٥٤٦ متراً في الدقيقة. فإذا ما وصل إلى فتحة البئر الأخرى أثرت عليه قوانين الجذب العام فتعود القنبلة البشرية بعد ما تبلغ الفوهة المتقاطرة نحو مركز الأرض حيث تصل إلينا بنفس سرعة ٩٥٤٦ متراً في الدقيقة.

توضح التجربة التي تكلمنا عنها الآن ناحية العملية الخيالية وتأخذ بنا إلى تلك الحقيقة الرياضية وهي أن الارتفاعات والانخفاضات في الكرة الأرضية لا أثر لها مطلقاً. وكل ما في الأمر أننا أمام عملية نظرية إطلاقا، لأن الجسم الثقيل لا يمكنه أن يقوم مع الضغط برحلة كهذه وسيغرق في الهواء اللزج الكثيف الذي يرقد في أعماق الكرة الأرضية.

<<  <  ج: ص:  >  >>