الأشياء الآتية عن طريق الأذن لهي أشد من تلك التي نصادفها في الأشياء التي تقع عليها نظرنا والتي نطالعها بأنفسنا. وهذا أيضاً يلخص في كلمة الفيلسوف كانت: لا بد للفهم من الرؤية.
وقد لجأ رجال التعليم في السابق إلى الصور كي تساعدهم على أداء مهمتهم ولكنها لم تف بكل الفرصة فما أن ظهرت السينما حتى كانوا أول من سخرها لخدمتهم. ففي سنة ١٨٩٨ أي بعد ظهور اختراع لوميير بثلاث سنوات، عمد الدكتور دويان وهو أحد كبار جراحي فرنسا إلى تصوير إحدى عملياته الجراحية بمصورة لومبير ثم عرضها على تلاميذه ممن لم يتمكنوا من شهود العملية أثناء القيام بها. وقد كتب بعد ذلك في إحدى المجلات الطبية مقالاً قال فيه أنه عند مشاهدته على الشاشة البيضاء العملية الجراحية التي قام بها، لاحظ أن كثيراً من الأمور الفنية التي كان يعتبر كمالها أمرا مفروغا منه، بدت له ناقصة من نواح عدة، وأن الفضل يعود للسينما إذ أنها مكنته من تلافي هذا النقص وإصلاحه.
ولكن هذا ليس معناه أن السينما قوبلت لأول وهلة بالترحيب من جميع أوساط التعليم ذلك أن حالة الدكتور دويان تعتبر نادرة إذا قيست بغيرها من الحالات التي مرت بها السينما. فقد شن المربون في أول الأمر حرباً شعواء عليها بدعوى أنها مفسدة لأخلاق الأطفال والشباب، ولكنهم مع ذلك لم ينكروا مالها من قوة التأثير الأمر الذي جعلهم فيما بعد يعملون على استغلالها وضمها إلى معسكرهم.
وقام في فرنسا فريق من كبار الرجال يدعون للسينما المدرسية منهم: بول يانليفية نائب رئيس أكاديمية العلوم الذي كتب أثناء الحرب العالمية الأولى في الجريدة الرسمية مقالا دعا فيه للسينما المدرسية وقال أنها الوسيلة الناجعة التي يجب أن نلجأ إليها في إنشاء جيل جديد تعتمد عليه البلاد في المستقبل. وكذلك خطب أدوار هريو قائلا بأن السينما المدرسية قد فتحت أمام رجال التعليم آفاق جديدة تساعدهم على أداء مهمتهم على أحسن وجه.
وكان لهذه الدعوات أثرها مما جعل وزارة التربية تنشئ قسماً يعنى بشؤون السينما المدرسية وبذلك عمت السينما في المدارس الفرنسية بصفة رسمية.
وقام في أمريكا سيدني برنستين يدعو للسينما المدرسية ويؤيده فريق من رجال علم النفس. ثم أخذت المدارس والجامعات تلبي نداءهم. وما أن مضى عدة سنوات على هذه الدعوة