تفكيرك طليقا، ولكن القدر يحتم عليك في الواقع ألا تجد المجتمع يحقق أية حرية تامة سواء في القول أو العمل أو الذوق.
راقب سلوك المواطنين حولنا، ففي دائرة البريد يسحقك المستبقون إلى نافذة بيع الطوابع، لأنهم يعتقدون بحريتهم الأدبية التامة في سحقك دونما خصام، وفي نفيك دونما حكم أو عقاب، يصدمك أحدهم ويجتازك ويتجاوزك وتصل رسالته إلى هدفها وربما تعود وأنت لا تزال في إقامتك الإجبارية تنتظر فرصة وصولك إلى هدف مقبول من غير أن تسيء إلى حرية غيرك، على حساب حقك وكرامتك.
وإذا رأيت هذا كله، علمت أنه يحمل إليك النفع المعقول، ووجدت أن سلوك المواطنين يفيدك هناك، لأنه تدريب وتمرين لما تلاقي من صعاب إذا أردت الصعود إلى قاطرة كهربائية، وبقيت على الرصيف من الربيع إلى الخريف، وأنت لا تزال تؤمن بحرية غيرك التامة، وتصبح على تمام الإيمان بعدم حريتك أبدا.
وربما تأنف العيش عندها في عالم الواقع، فتطلب الخيال، وتتمنى لحظة راحة من النفور والعناء، فتبحث عن صالات الشاي أو الموسيقى أو التمثيل أو معارض الصور والرسوم والتماثيل، وأنت ترجو في ذلك إرضاء حريتك في الذوق.
والسلامة من الدنيا إلى الدنيا، ومن الواقع إلى الفن، ولكنك واهم في ذلك عندنا، فلست تبلغ ما يتعذر، لأن مجتمعنا ليس له الحرية التامة في إعطائك ما تطلب، وليس لك الحرية التامة في وجود ما تريد.
والنتيجة أنك تعود إلى الانطواء على النفس، وفي نفسك وحدها تجد وهمك وحدة بالحرية التامة، فتأسف قليلا، ولكنك ترضى كثيرا بعد حين، حين تتحدث مع عقلاء الناس فيطالعك بعضهم، وهم من أعداء الحرية والتجدد، بأن هذه الترّهات الفنية أمور كمالية زائدة زائفة، وربما صفعك بقوله أنها مفسدة أيضا. ويطالعك آخرون بأن كل الإمكان هو كل ما يوجد الآن.
وما دام لا شيء، فالإمكان والوجود سواء!. . .
الحرية
ففي رأي العقلاء إذن لنا الحرية تامة في سفور المرأة أو عدم سفورها أو شبه السفور، ولنا