ويغشى المقاهي والملاهي أو الذي يضطر إلى عمل لا يرضى طموحه ولا يساعد على انكشاف مواهبه ولا يشبعه من جوع ولا يؤمنه من خوف - مثل هذا الشاب لا يمكن أن يصبح عضوا نافعا في المجتمع.
والفلاح أو العامل الذي يعتاد حياة الكسل أو الذي ينهك قواه بالأعمال الشاقة من غير أن يحصل على أجر يكفي لرفاهه ويضمن مستقبل أولاده - إن هذا الفلاح أو العامل لا يمكن أن يشعر بالمسؤولية أو الواجب أو التضامن الاجتماعي ويصعب عليه أن يدرك معنى الوطنية والقومية والتضحية والطاعة والنظام، بل ليس عجيبا إذا شك في أنه إنسان بالمرة.
لا فائدة من التربية والتعليم إذا لم نهيئ الجيل الناشئ لحياة العمل المنتج والمشاريع النافعة المشتركة وإذا لم ننفخ فيهم روح الإقدام والمبادرة ثم إذا لم نجهزهم بالمعلومات والملكات اللازمة للنجاح في عالم الاقتصاد. . .
إن مهمة التوجيه التربوي وسياسة التعليم هي البحث في الأسباب التي تجعلنا نوجه كل اهتمامنا في الوقت الحاضر إلى هذه الهداف الرئيسية الثلاثة ونقدمها على غيرها ونعتبرها حلقات في سلسلة واحدة مرتبطة بعضها ببعض ثم بيان الوسائل لتحقيقها من برامج تعليمية وأساليب تربوية ومؤسسات مدرسية وأنظمة وأعمال.
لا تقتصر التربية العامة، كما هو معروف، على هذه الهداف الثلاثة. فهي ترمي إلى غرس الفكرة الإنسانية مثلما تعنى بإثارة الروح الوطنية القومية، وهي تهتم بالأخلاق الاجتماعية دون أن تهمل الأخلاق الشخصية، ونريد أن ترعى صحة الحسم ونشاطه كما تغذي العاطفة وتقوي الإرادة، وليست عنايتها بتثقيف العقل وتهذيب الذوق وتنمية المواهب الفكرية البديعية بأقل من اهتمامها بالمهارة العملية.
إن الهدف الأسمى للتربية هو تكوين الشخصية الإنسانية وتهيئتها إلى الحياة الكاملة.
والتربية في البلاد العربية أيضا لا بد لها من السعي إلى تحقيق هذا المثل الأعلى، ولكن ينبغي لها في المرحلة الحالية من تطورنا التاريخي أن تمركز جهودها العملية حول النواحي التي نحن في حاجة إليها أكثر من غيرها.
وفي الحقيقة لا نستطيع مثلا خدمة الفكرة الإنسانية إذا لم نصبح أمة قوية لها مكانتها الدولية، ولا يمكننا أن نفكر في الانصراف إلى المباحث العلمية المحضة والعناية بالثقافة