العالية والآداب الراقية والفنون الرفيعة إلا بعد أن يتاح لنا التصرف بمقدراتنا واستثمار خيرات بلادنا وتنظيم شؤوننا، كذلك لا يجوز لنا إطلاق العنان للحرية الفردية والسعي إلى تنمية الشخصية المستقلة قبل أن يسود التضامن والانسجام في حياتنا الاجتماعية.
وبكلمة واحدة: إنه من واجبنا تقديم الأهم على المهم، واعتقد أن الأهداف الثلاثة التي ذكرتها تحتل المكانة الأولى من الخطورة ويجب أن تسخر كافة الجهود لخدمتها.
هكذا إذا اشتغلنا بالبحث العلمي فلا يجوز أن نعتبر ذلك غاية مقصودة بالذات وإنما كما عد لنشر الوعي القومي أو لتحقيق الإنعاش الاقتصادي، ومثل ذلك الرياضة البدنية، فأن الغاية منها في مدارسنا وفي نوادي الشباب يجب أن لا نقتصر على التسلية أو المهارة أو الرشاقة بل ينبغي أن تستخدم في الوقت نفسه كوسيلة لإثارة الروح الوطنية ولتنمية العناية بها لذاتها ولكن في سبيل الفكرة القومية والإصلاح الاجتماعي.
كيف السبيل إلى تحقيق الأهداف الثلاثة للتربية والتعليم التي يجب أن تتمركز جهودنا حولها في الوقت الحاضر؟
ليس من الممكن إنعاش الحياة الاقتصادية وتأمين الوسائل المادية الضرورية لمشاريع الإصلاح جميعها إلا بزيادة الإنتاج، وهذا يقتضي أن يوجه الشباب والشعب كله إلى العمال الإنشائية، المنتجة أي إلى الزراعة والصناعة، فمن الضروري الإكثار من المدارس الزراعية والصناعية وقلب المدارس الابتدائية في القرى أو أكثرها إلى مدارس ريفية والعناية بالعلوم العلمية في كافة المدارس الابتدائية والمتوسطة، ثن لا بد من تأسيس المعاهد والمخابر والمشاتل وإقامة المعارض الزراعية والصناعية، أليس من المؤلم، بل المفجع أن لا تكون في سورية كلها سوى مدرسة زراعية واحدة، أسستها وزارة الاقتصاد الوطني هذه السنة في السلمية، لا تتسع لأكثر من ثلاثين طالبا؟ أليس من المؤسف أن لا يكون في سورية كلها سوى ثلاث مدارس صناعية أحداها للإناث ومدرستين تجاريتين لم يزد عدد المتخرجين منها جميعا في السنة الماضية على (٧٠) طالبا وطالبة لم يجد أكثرهم سبيلا إلى المعيشة إلا بترك مهنتهم والانتساب إلى سلك التعليم؟.
أما المعاهد والمخابر للبحث والمشاتل للتجربة والمعارض للدعاية والتشجيع فلا أثر لها بالمرة. إن نظام التعليم عندنا كان وما زال يقتصر على تهيئة الناشئين لامتحانات البكالوريا