وفي حديث متفق عليه أن هند بنت عتبة بن ربيعة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي! فقال: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ".
وقد اختلفوا في تقدير النفقة على المرأة وولدها الصغير؛ فقال أصحابنا: هي تقدر بحسب الحالة من المنفق والمنفق عليه، بالاجتهاد على مجرى الحياة العادية، فينظر المفتي إلى حاجة المنفق عليه، ثم إلى حالة المنفق -باسم الفاعل- من عسر ويسر، فما احتملت حالته أمضاه عليه.
وقال الإِمام الشافعي وأصحابه: النفقة مقدَّرة محدَّدة، ولا اجتهاد لحاكم ولا لمفت فيها.
قالوا: يجب لابنة الخليفة ما يجب لإِبنة الحارس؛ لأن النفقة عندهم تقديرها هو بحال الزوج وحده من يسر وعسر، ولا تعتبر بحالها هي وكفايتها، فإن كان الزوج موسرًا كان لها مدان، وإن كان متوسطًا كان لها مد ونصف، وإن كان معسرًا فلها مد، واستدلوا بقوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الآية. وقوله تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} الآية.
قال القرطبي: والجواب أن هذه الآية أكثر من فرق بين نفقة الغني والفقير، وأنها تختلف بعسر الزوج ويسره، وهذا مسلَم، أما أن يقال: إنه لا اعتبار بحال الزوجة، فقد قال الله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية، وذلك يقتضي تعلق المعروف في حقهما؛ لأنه لم يخص في ذلك واحدًا منهما، وليس من المعروف أن تكون كفاية الغنية مثل نفقة الفقيرة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لهند: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". فأحالها على الكفاية حين علم من حال أبي سفيان الواجب عليه بطلبها، ولم يقل لها: لا اعتبار بكفايتك. قال: ثم ما ذكروه من التحديد يحتاج إلى توقيف، والآية لا تقتضيه، ا. هـ. منه بتصرف.
وقال الشوكاني في الكلام على حديث هند: فيه دليل على وجوب نفقة الزوجة على زوجها =