وروى مطرف عن مالك: قال عبد الله بن مسعود: من لم يتعلم الفرائض والطلاق والحج، فبمَ يفضل أهل البادية؟ وقال ابن وهب عن مالك، كنت أسمه ربيعة يقول: من تعلم الفرائض من غير علم بها من القرآن، ما أسرع ما ينساها. قال مالك وصدق.
وروى أبو داود والدارقطني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ ومَا سِوَى ذلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ: آيَة مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ". قال الخطابي أبو سليمان في معالم السنن: الآية المحكمة هي كتاب الله تعالى، واشترط فيها الإحكام، لأن من الآي ما هو منسوخ لا يعمل به، وإنما يعمل بناسخه، والسنة القائمة هي الثابتة مما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - من السنن الثابتة، والفريضة العادلة تحتمل وجهين من التأويل؛ أحدهما: أن يكون من العدل في القسمة، فتكون معدلة على الأنصباء والسهام المذكورة في الكتاب والسنة. والوجه الثاني: أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة ومن معناهما، فتكون تعدل ما أخذ من الكتاب والسنة إذْ كانت في معنى ما أخذ عنهما نصًا. ومثل لذلك بما رواه عكرمة قال: أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت يساله عن امرأة تركت زوجها وأبويها؟ فقال: للزوج النصف، وللأم ثلث الباقي. فقال ابن عباس: تجده في كتاب الله أو تقوله برأيك؟ قال: أقوله برأيي؟ لا أفضل أُمًّا على أب. قال الخطابي: فهذا من باب تعديل الفريضة إِذا لم يكن فيها نص، وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه من قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}(١).
تنبيهٌ: كان العرب في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الذكر الصغير، ولا يعطون إِلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة، حتى توفي أوس بن ثابت الأنصاري عن امرأته أم كجَّة وثلاث بنات له منها، قال القرطبي: فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويدٌ وعرفجةُ، فأخذا ماله ولم يعطيا لامرأته شيئًا ولا لبناته، فذكرت أم كُجَّة ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسًا، ولا يحمل كَلًّا، ولا ينكأ عدوًّا، فقال عليه الصلاة والسلام: "انْصَرفَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ الله لِي فِيهِنَّ". فانزل الله تعالى قوله في سورة =