= وعبد الله بن الزبير، وعائشة، ومعاذ بن جبل، وأبيُّ بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو هريرة رضي الله عنهم، فكلهم يجعل الجد عند عدا الأب كالأب لا يرث الإخوة معه شيئًا. وبهذا قال عطاء، وطاوس، والحسن، وقتادة، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأبو ثور، وإسحاق. واحتجوا لمذهبهم بقوله تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}. {يَابَنِي آدَمَ}. وبقوله - صلى الله عليه وسلم -. "يَا بَني إسْمَاعِيلَ ارْمُوا، فَإِن أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا". رواه البخاري.
وذهب عليُّ بن أبي طالب، وزيد وابن مسعود إلى توريث الجد مع الإِخوة، ولا يُنقص من الثلث مع الإِخوة للأب والأم أو للأب، إلا مع ذوي الفروض، فإنه لا يُنقص معهم من السدس شيئًا في قول زيد. وهذا قول مالك، والأوزاعي، وأبي يوسف، ومحمد، والشافعي. وكان عليّ يشرك بين الجد والإخوة إلى السدس ولا ينص من السدس شيئًا مع ذوي الفروض وغيرهم. وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة.
وأجمع العلماء على أن الجد لا يرث الأب، وأن الإِبن يحجب أباه.
تنبيهٌ: أول جد ورث في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مات ابن لعاصم بن عمر، وترك أخوين له، فأراد عمر رضي الله عنه أن يستأثر لماله. روى الدارقطني عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب استأذن عليه يومًا فأذن، ورأسه في يد جارية له ترجله، فنزع رأسه، فقال له عمر: دعها ترجلْك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إليَّ جئتك. فقال عمر: إنما الحاجة لي، إنما جئتك لتنظر في أمر الجد فقال زيد: لا والله ما تقول فيه. فقال عمر: ليس هو بوحي حتى نزيد فيه أو ننقص، إنما هو شيء تراه، فإن رأيته وافقني تبعته: وإلا لم يكن عليك فيه شيء. فأبى زيد، فخرج مغضبًا وقال. قد جئتك وأنا أظن ستفرغ من حاجتي. ثم أتاه مرة أخرى في الساعة التي أتاه في المرة الأولى، فلم يزال به حتى قال: سأكتب لك فيه. فكتب في قطعة قَتَب وضرب له مثلًا. إنما مثله مثل شجرة تنبت على ساق واحدة. فخرج فيها غصن ثم خرج مع الغصن غصن آخر، فالساق يسقي الغصنين، فإن قطعت الغصن الأول رجع الماء إلى العصر الثاني، ولو قطعت الثاني رجع إلى الأول. فأتى به فخطب الناس عمر ثم قرأ قطعة القتب عليهم، ثم قال: إن زيد بن ثابت قد قال في الجد قولًا وقد أمضته. قال: وكان عمر أول جد ورث، فأراد أن يأخذ المال كله، مال ابن ابنه دون إخوته. فقسمه بعد ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه. ا. هـ. بنقل القرطبي.