للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مجتهد إذا قضى على خلاف رأيه (١)، والقاضي المقلد إذا قضى على خلاف مذهبه لا ينفذ".

وقال أبو العباس أحمد بن إدريس (٢): "هل يجب على الحاكم أن لا يحكم إلا بالراجح عنده، كما يجب على المفتي أن لا يفتي إلا بالراجح عنده، أو له أن يحكم بأحد القولين وإن لم يكن راجحًا عنده؟

جوابه: أن الحاكم إن كان مجتهدًا فلا يجوز له أن يحكم ويفتي إلا بالراجح عنده، وإن كان مقلدًا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه وأن يحكم به وإن لم يكن راجحًا عنده، مقلدًا في رجحان القول المحكوم به إمامه الذي يقلده، كما يقلده في الفتوى، وأما اتباع الهوى في الحكم أو الفُتْيا فحرام إجماعًا، وأما الحكم أو الفتيا بما هو مرجوح فخلاف الإجماع" (٣). [انتهى]


= ذكر في أولها أنه استصفاها من "منية الفقهاء" لأستاذه بديع بن أبي منصور العراقي، وسماها: "قنية المنية لتتميم الغنية".
(١) قال في "المحيط" في كتاب القضاء، الفصل التاسع عشر في القضاء في المجتهدات ٤/ ١٥٦ - مخطوط: "قال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله: .. ذكر الخلاف في بعض المواضع في نفاذ القضاء، وفي بعض المواضع ذكر الخلاف في حل الإقدام على القضاء .. ، فوجه من قال بعدم النفاذ أنه زعم فساد قضائه فيعامل في حقه بزعمه، وجه من قال بالنفاذ أنه قضى في محل الاجتهاد فينفذ قضاؤه كما لو قضى برأي نفسه .. ".
(٢) هو الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القَرَافي المصري المالكي، المولود سنة ٦٢٦، والمتوفى سنة ٦٨٤ هـ رحمه الله، له تواليف ممتعة، منها: "الفروق والإحكام والذخيرة في الفقه المالكي". (الأعلام ١/ ٩٥).
(٣) انظر: "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام" للإمام القرافي، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، السؤال الثاني والعشرون، ص ٩٢، ٩٣. وذكر المحقق في الهامش أن العلامة الشيخ عليش - رحمه الله تعالى - نقل هذا السؤال وجوابه في فتاواه "فتح العلي المالك" ١/ ٥٨، ٥٩ ثم أتبعه بقوله: "فانظر وتأمل قول القرافي - رحمه الله تعالى - كيف منع المجتهد من الحكم والفتيا إلّا بالراجح عنده، وأجاز للمقلد أن يفتي أو يحكم بالمشهور وإن لم يكن راجحًا عنده ولا صحيحًا في نظره، مع كونه أهلًا للنظر وعارفًا بطرق الترجيح وأدلة التشهير والتصحيح، فإذا نظر ورجَحَ عنده غير المشهور جاز له أن يفتي بغير الراجح عنده إن كان مشهورًا عند إمامه، وإن كان شاذًّا مرجوحًا في نظره، لكونه يقلد في ترجيح المشهور إمامه الذي قلده في الفتوى … إلى أن يقول - الشيخ عليش -:
فإن قلتَ: قوله (أما الحكم والفتوى بما هو مرجوح فخلاف الإجماع)، يناقض قولَه (فإن كان مقلدًا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه وأن يحكم به وإن لم يكن راجحًا عنده) ومدافعٌ له؛ قلتُ: الذي حكي الإجماع على تحريمه ومنعه إنما هو أن لا يفتي بالراجح في نظره ولا في نظر مقلَّده وإمامه معًا، والذي جُوّز فيه الحكم والفتوى بالمرجوح إنما هو إذا كان راجحًا في نظر متبوعه، مرجوحًا في نظره هو، فلم يخرج في محل الجواز عن الراجح جملة، وفي محل الإجماع قد خرج عنه جملة، والله أعلم".

<<  <   >  >>