معتنقين المذهب السني، وقد نصب الشاه إسماعيل (ده ده بك سلطان) حاكما على مرو.
وكان الشاه إسماعيل لا يتوجه إلى بلدة إلا ويفتحها، ويقتل جميع من فيها وينهب أموالهم ويفرقها. وقد قتل خلقا لا يحصون ينوف على ألف ألف نفس، وقتل عدة من أعاظم العلماء بحيث لم يبق أحدا من أهل العلم في بلاد العجم، وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم؛ لأنها كتب أهل السنة (١) الأمر الذي دفع العلماء إلى الهجرة إلى بلاد الهند أو إلى الحرمين الشريفين، فهاجروا من بلادهم، نظرا لانتشار الفتن، وكثرة المصائب والمحن، فكان من هؤلاء المهاجرين الذين تركوا أوطانهم الشيخ علي القاري حيث هاجر إلى مكة المكرمة واستوطنها وبدأ ينهل من علومها ومعارفها على يد نخبة من خيرة علماء العالم الإسلامي آنذاك.
[ثانيا: الحالة السياسية في عصر الإمام علي القاري في مكة المكرمة]
لقد تكلمنا عن الحالة السياسية في عصر الإمام علي القاري في بلده هراة وفي بلدان العالم الإسلامي بصورة عامة.
فيما يخص مكة المكرمة التي اتخذها الإمام علي القاري مقر إقامة له وموطنا دائميا لم يفارقه منذ ريعان شبابه حتى توفى (١٠١٤ هـ) فلم يخل هذا البلد الحرام وما حوله من نواحي الحجاز من الاضطرابات بسبب النظام الذي اتبعه ولاتها فيها: فقد كانت ولاية الحرمين الشريفين قبل دخول العثمانيين إلى مصر سنة (٩٢٢ هـ /١٥١٧ م) تابعة لدولة المماليك الجركسية، فكانوا يعينون لها الولاة الذين يقومون بما تتطلبه الولاية من الإشراف على أمور الحج والعناية بشؤون الحجاج والحكم فيها. وقد جرت العادة على إسناد الولاية فيها إلى الأشراف من الأسرة الهاشمية احتراما لنسبهم الشريف. فقد أسندت في القرن التاسع مثلا، وعلى وجه
(١) ينظر: القطبي، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام: ص ١٨٥.