عنهم، فدلوني على سليمان الأعمش لأنه أقدمهم في الحديث، وكان معي مسائل في الحديث وكنت سألت عنها المحدثين فلم أجد أحدا يعرفها فذكرت ذلك في حلقة الأعمش فذكر ذلك له فقال: ايتوني به، فمضيت، فقال: لعلك تقول: إن أهل البصرة أعلم من أهل الكوفة، كلا ورب البيت الحرام ما ذلك كذلك، وما أخرجت البصرة إلا قاصا أو معبرا أو نائحا، والله لو لم يكن بالكوفة إلا رجل ليس من عربها، ولكن من مواليها يعلم من المسائل ما لا يعلم الحسن، ولا ابن سيرين، ولا قتادة الأعمى ولا البتي ولا غيرهم، وغضب علي غضبا خفت أن يضربني بعصاه ثم قال لمن حضره: إذهب به إلى مجلس النعمان، فو الله لو أرى أصغر أصحابه علم أنه لو قام أهل الموقف لأوسعهم جوابا فقام الرجل واتبعته، فلما خرج من المسجد قال:
النعمان يكون من بني حرام فاسأل عنه فإنه بهذه المسائل أعلم وأولى ولي شغل لا يمكن المصير إليه؛ فخرجت اسأل عنه قبيلة بعد قبيلة حتى أتيت بني حرام في آخر القبائل، وقد دخل وقت العصر، فإذا أنا بكهل قد أقبل حسن الوجه حسن الثياب، وخلفه خادم أشبه الناس به، فلما دنا سلم ثم صعد المئذنة فأذن أذانا حسنا، فتوسمت فيه أنه الإمام ثم صلى ركعتين خفيفتين تامتين أشبه بصلاة الحسن وابن سيرين فاجتمع نفر من أصحابه، وتقدم فأقام وصلى بهم أشبه الناس بصلاة أهل البصرة، فلما سلم استند إلى المحراب وأقبل بوجهه إلى الناس فحياهم، ثم سأل كل واحد من أصحابه عن حاله، فلما انتهى إلي قال: كأنك غريب من أهل البصرة، وقد نهيت عن مجالسنا، قلت: نعم، قال: ما اسمك؟ فأخبرته باسمي ونسبي، ثم سأل عن كنيتي، فأخبرته، فقال: أكنت تختلف إلى البتى؟ قلت: نعم، قال: لو أدركني لترك كثيرا من قوله، ثم قال: هات ما معك، وابدأ قبل أصحابي فإن بك وحشة والغربة، وحق لمثلك من المتفقهة التقدم إذ لكل داخل دهشة، ولكل قادم حاجة، قال: فسألته عن المسائل التي كانت مشكلة علي/١٣ ب/فأجابني، فحكيت ما جرى بيني وبين الأعمش فقال: حفظك الله يا أبا محمد، يحب أن ينوه باسم بلده بغيره؟! ما مثله إلا كما قال القائل، شعر: