الدفع سبيل؟ قال: لا، قلت: فما السبب؟ قال: لا أدري، خرج مسرور الخادم، فأمرني أن أجيء بك قال: فإغتسلت، وتحنطت، ورحت، فإذا أنا بالخادم، فطلبت منه أن يدفع عني الحضور، فأبى، وقال: ادخل الصحن، ففعلت، فقال الرشيد:
أدخل، فإذا عيسى بن جعفر جالس عنده، فلما سلمت ورد السلام قال: روعناك، أتدري لم دعوناك؟ قلت: لا، قال: عنده جارية لا يبيعني ولا يهبني، قلت: وما قدرها حتى يمنعها من الخليفة؟ فقال: ليس من العدل سرعة العذل، إني حلفت أن لا أبيعها، ولا أهبها، قال الرشيد: هل من مخرج؟ قلت: يبيع النصف ويهب النصف، فيكون لم يبع ولم يهب، ففعل عيسى ذلك، فأتى بالجارية وقال: خذها بارك الله لك فيها، فقال: يا يعقوب بقيت واحدة، وذلك أن نفسي تنازعني أن أبيت معها؛ ولا بد من استبراءها، فقال: اعتقها وتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ، فاعتقها وتزوجها على عشرين ألف دينار، فدعا بالمال ودفعه إليها، ثم قال: يا مسرور أحمل إلى يعقوب عشرين بخجا من ثياب ومئتي ألف درهم، قال بشر بن الوليد: فنظر إلى وقال: هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قلت: لا، قال: خذ منها حقك العشر، قال: فأردت أن أقوم فإذا بعجوز دخلت وقالت: بنتك تقرئك السلام، وتقول: ما وصل إلي من الخليفة من المهر، فوجهت إليك نصفه، والباقي جعلته لاحتياجي فأخذ المال وأعطاني ألف دينار. انتهى، ولا يخفى أن في الخاطر حزازة من قوله: فيكون لم يبع ولم يهب، بل يكون بيعا وهبة كلاهما لأنهما كما يتعلقان بكلها يتعلقان بجزئها نفيا وإثباتا، وهذا بحسب اللغة، ولعله (رضي الله عنه) بنى على العرف فإن بناء الأيمان عليه غالبا، ومع ذلك لو وهبها للسلطان أو باعها وكفر عن يمينه أو أهداها إليه بناء على الفرق بينها وبين الهبة كان أولى كما لا يخفى، وبهذا تبين الفرق بين الإمام الأول والثاني فتأمل.