للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويروى (١) أن الرشيد حلف بالطلاق ثلاثا إن باتت زبيدة في ملكه، وندم وتحير، فقيل له: هذا فتى من أصحاب أبي حنيفة يرجى منه المخرج فدعاه فعرض عليه، فقال: استعمل حق العلم، قال: كيف؟ قال: أنت على السرير وأنا على الأرض، فوضع له الكرسي فجلس عليه فقال: تبيت الليلة في المسجد ولا يد لأحد على المسجد، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ} (٢) فولاه الرشيد قاضي القضاة.

أقول: وهذا أيضا لا يخلو عن إشكال؛ لأن يمينه على ملكه بالضم لا على ملكه بالكسر، ولا شك أن الأوقاف والأملاك داخلة تحت يد السلطان لغة وعرفا، فالحيلة (٣) كانت أن يعزل نفسه ويولي غيره ممن يعتمد عليه في تلك الليلة، ثم في الصبح يعزل ذلك نفسه ويوليه، أو كان يطلقها واحدة ثم يتزوجها في الصباح (٤)!.

ويروى (٥) أن الرشيد دعاه ذات ليلة، وقال: سرق حلي لي، واتهمت واحدة من جواري الخاصة وحلفت إن لم تصدقني لأقتلنها قال أبو يوسف: هل لي إلى رؤيتها من سبيل؟ قال: نعم، فدعاها في الخلوة، وقال لها: إذا سألك الخليفة عن الحلي سرقت؟ قولي: نعم، وإذا قال: هاتيه، قولي: ما أخذت ولا تزيدي هذا ولا تنقصي، ففعلت، فقال أبو يوسف: يا أمير المؤمنين صدقت في الإقرار والإنكار، فسكن غضب الرشيد، فقال: يحمل إلى داره مئة ألف، فقيل: الخازن غائب، فقال:

انه اعتقنا من القتل الليلة/١٤ ب/فلا تؤخر صلته إلى الغد، أقول: وفي هذا أيضا


(١) ينظر: الكردري، المناقب:٢/ ١٣٠.
(٢) سورة الجن/الآية ١٨.
(٣) موقف الإمام أبي يوسف أرجح وأصوب هل من المعقول أن يعزل الخليفة نفسه من هذا المنصب الحساس والخطير ويولي غيره، لو فعل ذلك لعرض نفسه للمخاطر، ولو كان المؤلف في موقفه لما تجرأ على مخاطبة الخليفة بالعزل أو التنحية.
(٤) هل يليق بالخليفة ومكانة الخلافة أن يطلق الخليفة زوجته وهناك مخرج آخر للخروج من المأزق.
(٥) ينظر: الكردري، المناقب:٢/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>