للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال فى قوله:

جرّبت من نار الهوى ما تنطفى ... نار الغضا وتكلّ عما تحرق

«(١) وهذا البيت أيضا مما أمرّوه على أسماعهم إمرارا، فلم يعطوه حصّة من التفكّر، ولم يولوه طرفا من التأمل».

وابن الشجرى بهذه المثابة يعدّ من شرّاح المتنبى، فما أورده من شعره والكلام عليه ينهض كتابا مستقلا، يضمّ إلى ما كتب عن أبى الطيب، ولعل الله ييسّر لى صنع هذا الكتاب الذى يعين على فهم شعر المتنبى والإبانة عنه.

ولندع حديث أبى الطيب، وشعر المحدثين، ولنفرغ إلى منهج ابن الشجرى فى شواهده الشعرية، فأقول: إن اشتغال ابن الشجرى برواية الأدب وجمع الشعر قد أعاناه على اختيار شواهده الشعرية من أوثق النصوص وأبعدها عن الشكّ والوضع، وحين عرض لبعض الشواهد الموضوعة لغاية تعليمية، نصّ على أنها مصنوعة، فقال فى قول الراجز (٢):

إنّ هند الكريمة الحسناء ... وأى من أضمرت لوأى وفاء

«وهذا البيت والذى قبله من الأبيات المصنوعة لرياضة المبتدئين، لا تزال تداولها ألسن الممتحنين».

ويتنبه ابن الشجرى لمظنّة صنع الشاهد، ويدفعها بإنشاد بيت قبله وبيت بعده، ليدلّ على أن الشاهد منتزع من قصيدة، فقد استشهد على مجىء اسم «لا» العاملة عمل «ليس» معرفة، فقال (٣): «ومرّ بى بيت للنابغة الجعدى، فيه مرفوع «لا» معرفة، وهو:

وحلّت سواد القلب لا أنا مبتغ ... سواها ولا عن حبّها متراخيا


(١) المجلس الثانى عشر، وأنبه هنا إلى أن شرح ابن الشجرى للمتنبى كان مددا وعونا لبعض شراحه، مما يأتى بسط الكلام عليه فى (أثر ابن الشجرى فى الدراسات النحوية) إن شاء الله.
(٢) المجلس الثامن والثلاثون.
(٣) المجلس الخامس والثلاثون.

<<  <  ج: ص:  >  >>