للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر إجلال ابن الشجرى للشعر القديم، والاحتجاج به، فيما تعقب (١) به أبا العباس المبرد، فى طعنه على قصيدة يزيد بن الحكم الثقفى، وقوله: «إن فى هذه القصيدة شذوذا فى مواضع، وخروجا عن القياس، فلا معرّج على هذا البيت» (٢).

فقال ابن الشجرى: إن الحرف الشاذ أو الحرفين أو الثلاثة، إذا وقع ذلك فى قصيدة من الشعر القديم، لم يكن قادحا فى قائلها، ولا دافعا للاحتجاج بشعره، وقد جاء فى شعر لأعرابى:

*لولاك هذا العام لم أحجج*

ولا يقف ابن الشجرى فى إيراد الشاهد عند حدود الغرض النحوى الذى سيق له، بل يستطرد إلى شرح غريبه وتفسير معناه، مازجا النحو باللغة والأدب، فإذا وجد خطأ لبعض الشراح نبّه عليه، ومن ذلك بيت الحطيئة، وأورده شاهدا على إضافة المصدر إلى المفعول:

أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينيك من ماء الشئون وكيف

قال (٣): الرسم هاهنا مصدر رسم المطر الدار يرسمها رسما: إذا جعل فيها رسوما، أى آثارا، وهو مضاف إلى المفعول، والمربع: رفع بأنه الفاعل، والمراد به مطر الربيع، والمصيف: مطر الصيف، ومن فسّر شعر الحطيئة من اللغويين فسّروا الرسم بالأثر، وفسروا المربع بأنه المنزل فى الربيع، والمصيف بأنه المنزل فى الصيف، وذلك فاسد، لأن تقديره: أمن أثر دار منزل فى الربيع ومنزل فى الصيف؟ ثم لا يتصل عجز البيت بصدره على هذا التقدير، وتكون «من» فى هذا القول للتبعيض، فكأنه قال: أبعض أثر دار منزل فى الربيع، وهى فى قول بعض النحويين بمعنى لام العلة، مثلها فى قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} أى


(١) المجلس السابع والعشرون.
(٢) يريد قوله: وكم موطن لولاى طحت كما هوى بأجرامه من قلة النيق منهوى وهو شاهد على وقوع الضمير المتصل بعد «لولا»، وقد منعه المبرد.
(٣) المجلس الثانى والأربعون.

<<  <  ج: ص:  >  >>