للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلفظه على مصدر، فقام تصغيره مقام تصغير مصدره، فغير صحيح؛ لأن أفعل فى ما أفعله إن كان فعلا كما تزعمون، فإنه لم يأت له مصدر، كما لم يأت لليس وعسى مصدر، وليس الإحسان والإكرام والإفضال مصادر ما أحسنه وما أكرمه وما أفضله، بدليل أننا نقول: ما أظرفه، وما أملحه، وما أشكره لك، ولا تجد فى كلامهم الإظراف والإملاح والإشكار، فقد وجّهتم التصغير إذا إلى مصدر فعل آخر، وإنما اعتمادكم فى تصغيره على أن التصغير فى المعنى لمصدره، وإذا كان التصغير متوجّها إلى مصدر ليس هو فى الحقيقة له، فسد أكثر ما عوّلتم عليه.

وأمّا احتجاجكم بنون الوقاية فى: ما أفعلنى، فقد وجدنا من الأسماء ما اتّصلت به هذه النون، فيجوز أن يحمل أفعل فى التعجّب عليه، ولا نجعل اتصاله بها مدخلا لها فى حيّز الأفعال، وذلك قولهم: قدنى وقطنى، أى حسبى، قال:

امتلأ الحوض وقال قطنى ... سلاّ رويدا قد ملأت بطنى (١)

فقد كسر هذا ما نصصتم عليه من أن هذه النون مقصورة على الأفعال دون الأسماء.

جواب البصريّين، يعقبه احتجاجان: إن كان أفعل فى نحو: ما أظرف زيدا، وما أملح غزالك، وما أشكر زيدا لك، لا مصدر له، على ما يقتضيه القياس من مجىء/مصدره على إفعال، فإن أظرف وأملح وأشكر مبنيّات من ظرف وملح وشكر، فالجميع مأخوذ من الظّرف والملاحة والشّكر، والمصادر تقع فى مواضع المصادر، كوقوع السّراح فى موضع التسريح، فى قوله تعالى: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً} (٢) ووقوع التّبتيل فى موضع التّبتّل، فى قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ}


(١) فرغت منه فى المجلس الثامن والثلاثين، وأشرت هناك إلى ضبط تاء «ملأت» بالضم.
(٢) سورة الأحزاب ٤٩.