للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخر:

ولقد أغتدى وما صقع الدّي‍ ... ك على أدهم أجشّ الصّهيلا (١)

فنصب الصّهيلا بأجشّ، كما نصب النابغة الظّهر بأجبّ.

وأمّا ما احتججتم به من فتح آخره، فليس بحجّة، لأن التعجّب أصله الاستفهام، ففتح آخر أفعل للفرق بين المعنيين، فقولنا: ما أحسن عبد الله! أصله: ما أحسن عبد الله؟ فعدلوا عن الاستفهام إلى التعجّب، فغيّروا أحسن، بفتح آخره، ونصبوا عبد الله، ليفصلوا بين الاستفهام والخبر، هذا لفظ قول (٢) الفراء.

/قالوا: ولنا قول آخر، وهو أن يحمل أفعل على أنه اسم بنى فى التعجّب لتضمّنه معنى حرفه؛ لأن التعجّب كان ينبغى أن يجيء له حرف، كما جاء فى الاستفهام والشرط، والنفى والأمر والنهى، والتمنّى والترجّى، والتعريف والتشبيه، والنداء والعطف، والاستثناء والتحضيض؛ وغير ذلك، حروف أدّت المعانى المقصودة والأغراض المطلوبة؛ إلاّ أنهم لم ينطقوا بحرف التعجّب، ولكنّهم ضمّنوا معناه هذا الكلام، فعقل به المعنى الذى كان يؤدّيه الحرف لو نطق به، ونظير ذلك قولكم فى أسماء الإشارة: إنها بنيت لتضمّنها معنى حرف الإشارة، وإن لم ينطق للإشارة بحرف.

أو نقول: إنهم صاغوا للتعجّب حرفا يدلّ عليه، ثم رفضوه، وضمّنوا أفعل معناه، فلما ناب عن الحرف الذي به كان يستفاد التعجّب استحقّ البناء.

الجواب: أمّا بيت الحارث بن ظالم، فقد روى: «الشّعر الرّقابا» كما أوردتم، وروى: «الشّعرى رقابا» ونحن وإن لم ندفع الرّواية الأولى، فالثانية عندنا أوجه؛ لأنها


(١) أسرار العربية ص ١٩٩، والموضع المذكور فى التعليق السابق من الإنصاف والتبيين. وصقع الديك: صاح.
(٢) هكذا فى النسختين، وهو مستقيم.