للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أفعله اسما كما تزعمون، لم ينصب المعارف، ألا ترى أنه لا يجوز: زيد أكثر منك العلم، ولا زيد أعقل منك الغلام، كما يجوز: ما أكثر العلم فيهم، وما أنجب الغلام منهم، وإذ قد ثبت هذا فى أفعل التعجّبيّ، فهو فعل لا محالة.

/ومن أدلّتنا أننا وجدناه مفتوح الآخر، فلولا أنه فعل ماض، لم يكن لبنائه على الفتح وجه، إذ لو كان اسما لارتفع، من حيث وقع خبرا ل‍ «ما» عند الفريقين، إلا الأخفش، و «ما» فى موضع رفع بإجماع، فلو كان اسما لكان خبرا مفردا، ووجب حينئذ رفعه، فلزوم الفتح لآخره يدلّ على أنه فعل ماض، وهو مع فاعله المستتر فيه جملة فى موضع رفع، لوقوعها خبرا للمبتدإ.

جواب الفرّاء وأصحابه، قالوا: قد نصصتم على أن أفعل الوصفىّ لا ينصب إلاّ النكرة خاصّة، وقد وجدنا العرب أعملته فى المعرفة، وورد ذلك فى أشعارهم كقول الحارث بن ظالم (١):

فما قومى بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرّقابا

نصب الرّقاب بالشّعر، والشّعر جمع أشعر، ولا شبهة أن الجمع أضعف فى باب العمل من واحده؛ لأن التكسير يباعده من شبه الفعل، لاستحالة التكسير فى الفعل، وإذا بعد من الفعل بعد من العمل، فنصب الشّعر للرّقاب يفسد ما استدللتم به.

وقال النابغة الذبياني (٢):

ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجبّ الظّهر ليس له سنام (٣)


(١) الحارث بن ظالم المرّى. والبيت من قصيدة مفضلية، المفضليات ص ٣١٤، والتخريج فيها مستوفى. وانظر الكتاب ١/ ٢٠١.
(٢) ديوانه ص ٢٣٢، والكتاب ١/ ١٩٦، والمقتضب ٢/ ١٧٩، والإنصاف ص ١٣٤، والتبيين ص ٢٨٧، والجمل المنسوب للخليل ص ٧٣، وأمالى ابن الحاجب ٢/ ١٥٧، وأنوار التنزيل للبيضاوى ١/ ١٨٩ - ونسب البيت فيه لجرير خطأ-والخزانة ٩/ ٣٦٣، وفى حواشيها فضل تخريج.
(٣) والبيت الشاهد سبق مع بيت قبله فى المجلس الثالث.