للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ملتفت إليه، فهى فى الشّذوذ مثل منى وعنى (١)، وإنما حسن اتصال هذه النون بقد وقط؛ لأنك تقول: قدك من كذا وقطك، أى اكتف، فتأمر بها كما تأمر بالفعل، وإذا كانت من قبيل الشّذوذ، فلا يسوغ أن يحمل المستفيض الشائع على الفذّ النادر، وقد قالوا مع هذا: قدى وقطى، قال نابغة بنى ذبيان (٢):

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفّه (٣) فقد

وقال آخر فجمع بين اللّغتين:

قدنى من نصر الخبيبين قدى ... ليس الإمام بالشّحيح الملحد (٤)

فهل يمكنكم أن تأثروا عن عربىّ أنه يقول: ما أفرحى، كما قالوا: قدى؟ ولعمرى إن ذلك غير ممكن، فهذا دليل على بطلان ما ذهبتم إليه، وفساد ما عوّلتم عليه.

ومن أدلة مذهبنا أننا وجدنا أفعل التعجّبيّ ينصب المعارف والنكرات، ووجدنا أفعل الوصفىّ، كقولك: زيد أكثر منك علما، وأنجب غلاما، لا ينصب إلا النّكرات خاصّة على التمييز، أو على التشبيه بالمفعول، فلو كان أفعل فى قولنا:


(١) شدّدت النون فى الكلمتين، فى الأصل، د. وهو خطأ؛ فإن موضع الشذوذ هنا هو التخفيف، وعدم إلحاق النون المقتضية للتشديد لإدغامها فى النون الأصلية. وعلى ذلك أنشدوا شاهدا على الشذوذ قول القائل: أيها السائل عنهم وعنى لست من قيس ولا قيس منى أوضح المسالك ١/ ١١٨، وانظر علّة اجتلاب النون هنا، فى الكتاب ٢/ ٣٧٠، وسرّ الصناعة ص ٥٥٠، وانظر أيضا الإنصاف ص ١٣١، وقد استاق كلام ابن الشجرى.
(٢) ديوانه ص ٢٤، وهذا بيت دائر فى كتب العربية، وفيه شواهد نحوية أخرى، وسيعيده ابن الشجرى فى المجلس الثامن والستين. وانظر الكتاب ٢/ ١٣٧، والخزانة ١٠/ ٢٥١، وحواشيهما، وشرح الجمل ١/ ٢٥١،٦٢٢،٢/ ١٣، والجمل المنسوب للخليل ص ٩٤،١٦٨.
(٣) فى د: «أو نصفه» وأثبتّه بالواو من الأصل، وهى رواية النسختين فى المجلس الثامن والستين. وهما روايتان. راجع الخصائص ٢/ ٤٦٠، والخزانة ١٠/ ٢٥٨، وقد عقد أبو البركات الأنبارىّ لذلك مسألة فى الإنصاف ص ٤٧٩. «هل تأتى أو بمعنى الواو؟».
(٤) فرغت منه فى المجلس الثانى.