للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكاية فيما تعلّقوا به، وفى البيت الذى أوردته، لم يسغ دخول حرف الجرّ على «نعم وبئس» و «نام» ولكن التقدير: نعم السّير على عير مقول فيه، أو يقال فيه: بئس العير.

وكذلك قول حسّان، التقدير فيه: ألست بجار مقول فيه: نعم الجار، ومثل ذلك التقدير فى البيت الذى ذكرته: ما ليلى بليل مقول فيه: نام صاحبه، ولكنهم حذفوا هذه الموصوفات، وأقاموا أوصافها مقامها، كما حذف الموصوف فى قوله تعالى: {أَنِ اِعْمَلْ سابِغاتٍ} (١) وقوله: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (٢) أراد: دروعا سابغات، ودين الأمّة القيّمة، أو الملّة القيّمة، فصار التقدير: نعم السير على مقول فيه: بئس العير، وأ لست بمقول فيه: نعم الجار، وما ليلى بمقول فيه: نام صاحبه، /ثم حذفوا الصّفة التى هى مقول، وأوقعوا المحكيّ بها موقعها؛ لأن القول (٣) قد كثر استعماله محذوفا كثرة استعماله مذكورا، فوليت الجملة حرف الجرّ على هذا التقدير، كما وليت المضاف فى قول القائل:

مالك عندى غير سوط وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر

جادت بكفّى كان من أرمى البشر (٤)

أراد: بكفّى رجل كان من أرمى البشر، فحذف الموصوف بالجملة،


(١) سورة سبأ ١١، وحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ممّا كرّره ابن الشجرى كثيرا، ويظهر ذلك فى الفهارس إن شاء الله.
(٢) الآية الخامسة من سورة البيّنة.
(٣) يقول أبو علىّ: «حذف القول من حديث البحر، قل ولا حرج». حواشى كتاب الشعر ص ٣٣٢. وانظر تفسير الطبرى ١/ ١٣٩،١٧٩،٢/ ٢٧، والمغنى ص ٦٣٢.
(٤) هذا شاهد قلّما خلا منه كتاب نحويّ، كما يقول البغدادىّ فى الخزانة ٥/ ٦٦، وانظره فى مجالس ثعلب ص ٤٤٥، والمقتضب ٢/ ١٣٩، والأصول ٢/ ١٧٨، والبغداديات صفحات ٢٤٦،٣٩٨،٥٦٨، والخصائص ٢/ ٣٦٧، والمحتسب ٢/ ٢٢٧، وشرح الجمل ١/ ٢٢٠،٢/ ٥٨٩، والمقرب ١/ ٢٢٧، وتذكرة النحاة ص ٧٠، والمغنى ص ١٦٠، وغير ذلك كثير تراه فى حواشى المحققين. وانظر المجلس ٨٣. وكبداء: يريد قوسا كبداء، وهى التى يملأ الكفّ مقبضها.