للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابه، وإنما امتنع «نعم وبئس» من الدلالة على الزّمان الماضى، وسلبا التصرّف، فلم يصوغوا منهما مضارعا، ولا اشتقّوا من لفظهما اسم فاعل؛ لأن «نعم» موضوع لغاية المدح، «وبئس» موضوع لغاية الذّمّ، فجعلت دلالتهما على الزّمان مقصورة على الآن؛ لأنك إنما تمدح أو تذمّ بما هو موجود فى الممدوح أو المذموم، ولا تمدح ولا تذمّ بما كان فزال، ولا بما سيكون ولم يقع، فلذلك استحال اقترانهما بالزمان الماضى، وبعدا (١) غاية البعد من المستقبل، فلم يبنوا لهما مضارعا؛ لأن المضارع إنما يتكلّف [له (٢)] فى بنائه زيادة حروف (٣) المضارعة، للحاجة إلى دلالته على الزمان الحاضر أو المستقبل، فإذا كان «نعم وبئس» وهما على لفظ المضىّ قد أفادا الدلالة على الحاضر من الزمان باقتضاء المعنى، وكان المدح والذمّ/بما لم يقع مستحيلين، وجب أن لا يصاغ لهما مضارع؛ لأن الاحتياج إلى اشتقاق المضارع قد سقط، ومن هاهنا وجب أن لا يبنى منهما اسم فاعل؛ لأنّ اسم الفاعل لا يعيّن الزّمان؛ ألا ترى أنك إذا قلت: زيد ضارب جعفر، جاز أن يكون ضربه فى وقت إخبارك، وجاز أن يكون ماضيا، وجاز أن يكون متوقّعا، فلمّا كان عامّا للأزمنة الثلاثة استحال بناؤه منهما.

فقد وضح بهذه الجملة أنّ هذين الفعلين، إنما جمدا بنقلهما (٤) إلى معنى لم يكن لهما فى أصل وضعهما، فترك تصريفهما للمعنى المراد بهما، فليس عدم تصرّفهما بدليل على انتقالهما عن الفعليّة.

وإذا كان كذلك علم أنّ ما أخلدتم إليه ليس بدليل يعوّل عليه


(١) فى د. وبعد.
(٢) ليس فى د.
(٣) فى د: حرف.
(٤) فى د: لنقلهما.