للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: فسقط فى أيدينا ليمينه، ثم أجمعنا على قصد عبيد الله، فحدّثنى بعض أصحابنا السّعديّين قال: فيمّمناه نتخطّى إليه الأحياء، فصادفناه فى مسجده، يصلّى بين العشاءين، فلما سمع حسّنا أوجز فى صلاته، ثم أقبل علينا، فقال: حاجتكم، فبدر رجل منّا كان أحسننا نفثة (١)، فقال: نحن، أعزّ الله القاضى، قوم نزعنا إليك من طريق (٢) البصرة، فى حاجة مهمّة، فيها بعض الشىء، فإن أذنت لنا قلنا، فقال: قولوا، فذكر يمين الرجل والشّعر.

فقال: أمّا قوله: «إنّ التى ناولتنى» فإنه يعني الخمر، وقوله: «قتلت» أراد مزجت بالماء، وقوله: «كلتاهما حلب العصير» يعنى الخمر ومزاجها، فالخمر عصير العنب، والماء عصير السّحاب، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً} (٣) انصرفوا إذا شئتم.

وأقول: إنّ هذا التأويل يمنع منه ثلاثة أشياء، أحدها: أنه قال: كلتاهما، وكلتا موضوعة لمؤنّثين، والماء مذكّر، والتذكير أبدا يغلّب على التأنيث، كتغليب القمر على الشمس، فى قول الفرزدق:

لنا قمراها والنّجوم الطّوالع (٤)


= نبّه البغدادى على الوهم فى «الحسن» فقال فى حاشيته المذكورة: «والحسن بفتحتين وكذا رواية الحريرى، ووقع فى الشرح تبعا لأمالى ابن الشجرى «الحسين» بزنة المصغر، وهو تحريف من الكتّاب».
(١) هكذا فى الأمالى، وحاشية البغدادىّ، وأصول الخزانة، وغيّره شيخنا عبد السلام هارون، رحمه الله، ليجعله «بقيّة» كما فى الأغانى، وفسّره: البقيّة: الفهم وثقوب الذهن، كما فى قول الله تعالى: أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ وفسّرها محقق الأغانى: أى أحسننا رأيا وفضلا، وإنما سمّى ذلك بقية؛ لأن الرجل يستبقى ممّا يخرجه أجوده وأفضله. قلت: وقوله: «كان أحسننا نفثة» فالنّفث: الإلقاء. وهذا التركيب يراد به سبيل المجاز، كأنه يريد: أحسننا لفظا وإدارة لوجوه الكلام، كما نقول: فلان ريقه حلو.
(٢) فى الأغانى: طرف.
(٣) سورة النبأ ١٤.
(٤) فرغت منه فى المجلس الثانى.