للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والقول الآخر: أن «كان» تدلّ على وقوع الفعل فيما مضى من الزمان، فإذا كان فعلا يتطاول، لم تدلّ دلالة قاطعة على أنه زال وانقطع، كقولك: كان زيد صديقى، لا دلالة فى هذا القول قطعا على أن صداقته لك قد زالت، بل يجوز أن تكون باقية بحالها، ويجوز أن تريد: كان صديقى وهو الآن عدوّى، فمن المعنى الأول قوله تعالى: {إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً} (١) ألا ترى أن هذا نزل وعداوة الكافرين للمؤمنين باقية، وكذلك قول هذا الشاعر: «إنّ لحمى كان مرّا» ليس يريد أن مرارة لحمه زالت.

واعلم أن الزمان الذى تدلّ عليه «كان» يكون محدودا، ويكون غير محدود، فالمحدود كقولك: كان زيد جالسا هاهنا، وغير المحدود كقوله تعالى: {وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً}؛ لأن كلّ صفة لله مستحقّة فى حال، فهى مستحقّة فى كلّ حال.

فلمّا ظنّ أن الغشّ قولى ... وراوغنى كأنّى قلت هجرا

الهجر: الهذيان، يقال: هجر يهجر، والهجر أيضا: الإفحاش فى المنطق، يقال: أهجر فى منطقه.

وراوغنى: من قولهم: راغ عن الشىء يروغ روغا وروغانا، إذا حاد عنه.

مشى ومشيت من أسدين راما ... مراما كان إذ طلباه وعرا

الوعر: أصله فى المكان، يقال: مكان وعر، وقد وعر وعورة، وهو خلاف السّهل.

«من» فى هذا البيت قائمة مقام لام التعجّب، أى اعجبوا من أسدين،


(١) سورة النساء ١٠١.