للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النحو، كذلك كرهوا فى ننجى، فحذفوا النون الساكنة، فالوجه فيه كما رواه حفص. انتهى كلام أبى علي.

وأقول: إنّ الفرّاء هو الذى روى البيت شاهدا (١) على أنّ «نجّى» مبنيّ للمفعول، وأنه مسند إلى المصدر المقدّر، والمراد: لسبّ السّبّ بذلك الكلاب، وكان الأصل: لسبّ الكلاب السّبّ بذلك، أى بولاد ذلك الجرو، وهذا كما قال أبو عليّ إنما يجوز فى ضرورة الشّعر، وإذا كان إسناد الفعل إلى المصدر الظاهر الموصوف، ونصب المفعول به ممّا لا يحتمله إلاّ الضرورة، فما ظنّك بالمصدر المقدّر، كقولك فى التصريح بالمصدر: ضرب الضرب الشديد زيدا.

وأقول: إن الذى قاله أبو بكر بن مجاهد وأبو عليّ فى هذه القراءة، من الردّ على من ظنّ أن النون تدغم فى الجيم، ومن إفساد ما ذهب إليه الفرّاء فى البيت الذى أورده، ومن الاحتجاج فى إبطال كون الفعل مبنيّا للمفعول مع سكون يائه ونصب المؤمنين، قول سديد، يشهد بصحّته مقاييس العربيّة.

وخطر (٢) لى فى هذه القراءة وجه يخرج الفعل من بنائه للمفعول، وعن إدغام النون/فى الجيم، ولا يخرجه عن قياس كلام العرب، وهو أن يكون القارئ «نجى» أراد: ننجّى، مفتوح النون مشدّد الجيم، فحذف النون الثانية كراهة توالى مثلين متحرّكين، كما حذف التاء من قرأ {تَذَكَّرُونَ} (٣) خفيف الذال، حذف


(١) لم أجده فى كتابه معانى القرآن، وإن كان قد ذكر ذلك الوجه الذى ردّه أبو علىّ. وقد ذكرت الموضع فى المعانى، عند تخريج القراءة.
(٢) الحقّ أن هذا الذى خطر لابن الشجرى إنما هو كلام ابن جنى فى الخصائص ١/ ٣٩٨. ومن قبله على بن سليمان [الأخفش الصغير] كما ذكر النحاس، فى إعراب القرآن ٢/ ٣٨١.
(٣) وهى قراءة حفص وحمزة والكسائى. وذكر سيبويه أنها قراءة أهل الكوفة، وهؤلاء الثلاثة هم قرّاء الكوفة. الكتاب ٤/ ٤٧٧، والكشف عن وجوه القراءات ١/ ٤٥٧، فى توجيه الآية (١٥٢) من سورة الأنعام. وقد جمع أبو بكر بن مجاهد وجوه القراءة فى هذه الآية ونظائرها، فى السبعة ص ٢٧٢،٢٧٣.