للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و «أيّ» معربة فى جميع أحوالها، بخلاف نظائرها من الأسماء التى ضمّنت معانى الحروف، كمن وما وأين ومتى، وكم وكيف وأيّان وأنّى، وإنما أعربوها/حملا على نظيرها، وهو بعض، وعلى نقيضها وهو كلّ، وسيبويه (١) يحكم ببنائها على الضمّ إذا كانت اسما ناقصا موصولا بجملة ابتداء، والمبتدأ من الجملة محذوف، وهو العائد منها إلى أيّ، كقولك: أكرمت أيّهم صاحبك.

فإن قلت: أكرمت أيّهم هو صاحبك، نصبتها وفاقا، وذلك لتمام صلتها.

وإنما حكم ببنائها إذا نقصت صلتها؛ لأنه جعل لتضمّنها معنى الحرف تأثيرا فيها، وخصّ بذلك حال النّقص الذى دخلها، كأنها لمّا حذف المبتدأ العائد عليها من صلتها ضعفت فرجعت إلى البناء الذى استحقّه الذى ومن وما، وبقوله قال المازنيّ وجماعة من البصريّين، وإلى بنائها ذهب فى قول الله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} (٢) لأن التقدير عنده: الذى هو أشدّ على الرحمن عتيّا، أو الذين هم أشدّ، فالضّمة على قوله بناء، وقد حكى مع ذلك أنّ هارون الأعور القارئ قرأها بالنّصب (٣).


(١) راجع الكتاب ٢/ ٣٩٨، وما بعده.
(٢) سورة مريم ٦٩. وقد ضبطت عين عِتِيًّا فى الأصل، ط بالضم. وهما لغتان: الكسر والضم. فقرأ بالكسر: حمزة والكسائى وحفص، والباقون بالضم. الإقناع ص ٦٩٥، والإتحاف ٢/ ٢٣٤، وشرح الحماسة للمرزوقى ص ٨٠.
(٣) الكتاب ٢/ ٣٩٩، ومختصر فى شواذ القراءات ص ٨٦، ومعانى القرآن للزجاج ٣/ ٦٩، وإعراب القرآن للنحاس ٢/ ٣٢٢، والبحر ٦/ ٢٠٩. وهذا «هارون بن موسى البصرى الأعور» صاحب قراءة وعربية، أخذ عن الأصمعىّ ويحيى بن معين، توفى فى حدود السبعين والمائة، كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه، ناظره يوما إنسان فى مسألة، فغلبه هارون، فلم يدر المغلوب ما يصنع، فقال له: أنت كنت يهوديّا فأسلمت! فقال له هارون: فبئسما صنعت؟ قال: فغلبه أيضا فى هذا. قيل: وكان أول من تتبع وجوه القرآن وألّفها وتتّبع الشاذ منها. تاريخ بغداد ١٤/ ٣، وطبقات القراء لابن الجزرى ٢/ ٣٤٨، والشعور بالعور ص ٢٣٣.