للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّ «إنّ» من الحروف التى تدخل على الكلام فلا تغيّر معناه، فموضعها مع اسمها رفع بالابتداء، فالتقدير: الله وملائكته يصلّون على النبىّ.

وأجاز أبو علىّ الحسن بن أحمد الفارسىّ أن يكون {يُصَلُّونَ} خبرا عن الله تعالى، والخبر عن الملائكة محذوف، والتقدير: إنّ الله يصلّون (١) على النبىّ وملائكته كذلك، وحسن الإخبار عن الله سبحانه بلفظ الجميع تفخيما وتعظيما، كما جاء خطابه بلفظ الجمع فى قوله: {رَبِّ اِرْجِعُونِ} (٢)، وكما جاء إخباره عن نفسه بلفظ الجميع فى كثير من القرآن، كقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} (٣) و {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} (٤) و {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (٥).

... روت الرّواة بإسناد جمعوه، إلى خريم بن أوس بن حارثة بن لأم الطائىّ: أنه قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منصرفه من تبوك، فأسلمت وعنده يومئذ عمّه العبّاس، فسمعته يقول: إنى أريد أن أقول قولا أثنى عليك به، فقال له: قل يا عمّ، لا يفضض الله فاك، فأنشأ يقول:

من قبلها طبت فى الظّلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق (٦)


(١) هذا تقدير بارد جدّا، وغفر الله لقائله وحاكيه. ولا يخفى أن التنظير بالآيات الكريمات لا يشفع فى ثقل هذا التقدير، فإن الإخبار عن المولى عز وجل بلفظ الجمع إنما جاء فى كلامه هو تباركت أسماؤه، وكلامه تعالى فى أرفع محلّ من الجلال والبهاء واليسر. وإن فى وضع هذا المثال الذى هو من صنع البشر بإزاء ما تلى من آيات كريمات أبلغ دليل على أن كلامه عز وجل مباين لكلام البشر، وأنه تنزيل من حكيم حميد.
(٢) سورة المؤمنون ٩٩.
(٣) سورة يوسف ٣، وسورة الكهف ١٣.
(٤) سورة طه ١٣٢.
(٥) أول سورة القدر.
(٦) خرّجت هذه الأبيات الشريفة فى منال الطالب ص ٤٤٠، وزد على ما ذكرته هناك: المعجم الكبير للطبرانى ٤/ ٢٥٢،٢٥٣، واشتقاق أسماء الله للزجاجى ص ٢٣١، والمستدرك ٣/ ٣٢٧، والأسماء المبهمة ص ٤٤٩، وزاد المعاد ٣/ ٥٥١، ومنح المدح ص ١٩٢، وسبل الهدى والرشاد ١/ ٩٠، ثم انظر الموازنة ١/ ٢٧١، وطبقات الشافعية الكبرى ١٠/ ٢٨١.