للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السّفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق (١)

تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق

/حتّى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النّطق

وأنت لمّا ولدت أشرقت ال‍ ... أرض وضاءت بنورك الأفق

فنحن فى ذلك الضّياء وفى النّ‍ ... ور وسبل الرّشاد نخترق

قوله: «من قبلها»: أى من قبل الخليقة، كنى عن غير مذكور، والعرب تفعل ذلك توسّعا واختصارا، وثقة بفهم السامع.

وأقول: إنّ ضمير الغيبة ينقسم إلى أربعة أضرب، أحدها، وهو الأصل: أن يعود إلى شيء قد تقدّم ذكره، كقولك: زيد لقيته، وهند خرجت، وأخواك أكرمتهما، والقوم انطلقوا، وضرب زيد غلامه، ومثله فى التنزيل: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ} (٢) {وَنادى نُوحٌ اِبْنَهُ} (٣).

والثانى: أن يعود إلى مذكور في سياقة الكلام، مؤخّر فى اللفظ، مقدّم فى النيّة؛ لأنّ رتبته التقديم، كقولك: ضرب غلامه زيد، وكقولهم: «فى بيته يؤتى الحكم (٤)»، ومثله فى التنزيل: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} (٥) وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ} (٦).

والثالث: أن لا يعود على مذكور، ويلزمه أن يفسّر بنكرة منصوبة،


(١) زاد صاحب سبل الهدى بعد هذا البيت بيتا، هو من أزكى الكلام وأشرفه، وهو قوله: وردت نار الخليل مكتتما تجول فيها وليس تحترق
(٢) سورة طه ١٢١.
(٣) سورة هود ٤٢.
(٤) من أمثال العرب. الفاخر ص ٧٦، وجمهرة الأمثال ١/ ٣٦٨،٢/ ١٠١.
(٥) سورة طه ٦٧.
(٦) سورة الرحمن ٣٩.