للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أبو تمّام حبيب بن أوس، فى قوله (١):

وقد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى ... بعقبان طير فى الدّماء نواهل

أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها ... من الجيش إلاّ أنها لم تقاتل

زعم قوم من نقّاد الشّعر (٢) أن أبا تمّام زاد عليهم بقوله: «إلا أنها لم تقاتل» وأحسن من هذه الزيادة عندى (٣) قوله: «فى الدماء نواهل»، وقوله: «أقامت مع الرايات»، وبذلك يتمّ حسن قوله: «إلاّ أنها لم تقاتل» على أنّ الأفوه قد فضل الجماعة بأمور، منها: السّبق، وهى الفضيلة العظمى.

والثانى: أنه قال: «رأي عين» فخبّر عن قربها، لأنّها إذا بعدت تخيّلت تخيّلا، وإنما يكون قربها توقّعا لما تصيبه من القتلى، وهذا يؤكّد المعنى.

والثالث: أنه قال: «ثقة أن ستمار» فجعلها واثقة بالميرة، ولم يجمع هذه الأوصاف غيره.

وأما أبو نواس، فإنّه نقل اللّفظة فى قوله: «ثقة بالشّبع»، ولم يزد فيفضّل، وكذلك مسلم أخذ قوله: «قد عوّد الطّير عادات» من قول النابغة:

لهنّ عليهم عادة قد عرفتها

وأخذ قوله: «وثقن بها» من قول الأفوه: «ثقة أن ستمار».

وقال المتنبّى (٤):

سحاب من العقبان يزحف تحته ... سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه


(١) ديوانه ٣/ ٨٢، وأخبار أبى تمام ص ١٦٤، وفيه شعر الأفوه والنابغة وأبى نواس ومسلم. والموازنة ١/ ٦٢،٣/ ٣٣٧، والمراجع التى بحواشيها.
(٢) منهم الصولى فى أخبار أبى تمام. وانظر أيضا الصناعتين.
(٣) ليست عنده هو! فإن هذا كلام القاضى على بن عبد العزيز الجرجانى بحروفه. بل إن عبارة «وأحسن من هذه الزيادة عندى» بحروفها من كلام القاضى الجرجانى. وانظر الوساطة ص ٢٧٤،٢٧٥.
(٤) ديوانه ٣/ ٣٣٨، والإبانة ص ٦٤، وشرح مشكل شعر المتنبى ص ١٧٢، والصبح المنبى ص ٧٤، والمثل السائر ٣/ ٢٨٣.