للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا عرفت هذا فالعائد من الجملة الوصفيّة إلى الموصوف محذوف.

التقدير: كلّ وقت أضاء لهم البرق فيه مشوا فيه، فحذفت «فيه» هاهنا، كما حذفت من الجملة الموصوف بها فى قوله تعالى: {وَاِتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} (١) التقدير: لا تجزى فيه، كما قال: {وَاِتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} (٢).

وقال فى قوله: {إِلاّ إِبْلِيسَ} (٣): إبليس: نصب على الاستثناء المنقطع، ولم ينصرف لأنه أعجمىّ معرفة. وقال أبو عبيدة (٤): هو عربىّ، مشتقّ من أبلس: إذا يئس من الخير، ولكنّه لا نظير له فى الأسماء، وهو معرفة فلم ينصرف لذلك.

قلت: إن كان يريد بقوله: «لا نظير له» فى وزنه، فليس هذا بصحيح؛ لأنّ مثال «إفعيل» كثير فى العربيّة، كقولهم للطّلع: إغريض، وللعصفر: إحريض، وللسّنام الطّويل: إطريح. ولا خلاف فى أنّك لو سمّيت بإغريض ونحوه لصرفت.

وإن كان يريد أنه لا نظير له فى هذا التركيب على هذا المثال، فكذلك إغريض منفرد بهذا التركيب على هذا المثال، ولو انضمّ التعريف إلى ذلك لم يمتنع من الصّرف، وأبو عبيدة إنما كان صاحب لغة.

وقال فى قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ}


(١) سورة البقرة ٤٨،١٢٣.
(٢) سورة البقرة ٢٨١.
(٣) سورة البقرة ٣٤.
(٤) هكذا فى نسخ الأمالى الثلاث، وكذلك جاء فى إعراب القرآن للنحاس ١/ ١٦٢، وتفسير القرطبى ١/ ٢٩٥، والمشكل ١/ ٣٧ طبعة دمشق. أما فى الطبعة البغدادية ١/ ٨٧، فقد أثبته المحقق من نسخة «أبو عبيد». ويظهر أنه هو الصواب، فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى ذكر الرأى الأول ليس غير. قال: «نصب إبليس على استثناء قليل من كثير، ولم يصرف إبليس لأنه أعجمى». مجاز القرآن ١/ ٣٨، ونقل هذا عن أبى عبيدة بعض أهل العلم، كأبى حاتم أحمد بن حمدان الرازى فى الزينة ٢/ ١٩٢، وأبى الفرج بن الجوزى فى زاد المسير ١/ ٦٥. على أن قول ابن الشجرى فيما بعد: «وأبو عبيدة إنما كان صاحب لغة» يبطل شبهة التحريف؛ فإن هذا الوصف ينصرف إلى أبى عبيدة معمر بن المثنّى لا محالة. هذا وقد رجّح أبو منصور الجواليقى أن «إبليس» غير عربى. المعرّب ص ٢٣.