للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن شئت قدّرت: احذروا يوم تجد كلّ نفس، فنصبته نصب المفعول به، كما نصبته فى تقدير: اذكر، على ذلك.

وقال فى قول الله تعالى: {آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً} (١):

قوله: {إِلاّ رَمْزاً} استثناء ليس من الأول، وكلّ استثناء ليس من جنس الأوّل فالوجه فيه النّصب (٢). انتهى كلامه.

وأقول: إنّ «إلاّ» فى قوله: {إِلاّ رَمْزاً} إنما هى لإيجاب النفى، كقولك:

ما لقيت إلاّ زيدا، فليس انتصاب {رَمْزاً} على الاستثناء، ولكنه مفعول به (٣)، منتصب بتقدير حذف الخافض، والأصل: ألاّ تكلّم الناس إلاّ برمز، أى بتحريك الشّفتين باللفظ من غير إبانة بصوت، فالعامل الذى قبل «إلاّ» مفرّغ فى هذا النّحو للعمل فيما بعدها، بدلالة أنك لو حذفت «إلاّ» وحرف النفى استقام الكلام، تقول فى قولك: ما لقيت إلاّ زيدا: لقيت زيدا، وفى قولك: ما خرج إلاّ زيد: خرج زيد، وكذلك لو قيل: آيتك أن تكلّم الناس رمزا، كان كلاما صحيحا، وليس كذلك الاستثناء فى نحو: ليس القوم فى الدار إلاّ زيدا، وإلاّ زيد، فلو حذفت النّافى والموجب فقلت: القوم فى الدار زيدا، أو زيد، لم يستقم الكلام. وكذلك: ما خرج إخوتك إلاّ جعفر، لو قلت: خرج إخوتك جعفر، لم يجز، وكذلك الاستثناء المنقطع، نحو: ما خرج القوم إلاّ حمارا، لو قلت:

خرج القوم حمارا، لم يستقم، فاعرف الفرق بين الكلامين.


(١) سورة آل عمران ٤١.
(٢) المشكل ١/ ١٤٠ (دمشق)،١/ ١٥٩، (بغداد).
(٣) يظهر أن هذا مما انفرد به ابن الشجرى، فالمعربون على أنه منصوب على الاستثناء، واختلافهم إنما هو فى: الاستثناء المتصل أو المنقطع. ويقوّى هذا قول الشّهاب الآلوسى: «وتعقّب ابن الشجرىّ النصب على الاستثناء هنا مطلقا وادّعى أن رَمْزاً مفعول به منتصب بتقدير حذف الخافض. . .» وحكى بقية كلامه. روح المعانى ٣/ ١٥١، وراجع البحر ٢/ ٤٥٢، والدرّ المصون ٣/ ١٦٥، ومقالة الدكتور فرحات.