للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال فى نصب اليوم، من قوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} (١): يوم منصوب ب‍ {يُحَذِّرُكُمُ} أى: ويحذّركم الله نفسه فى يوم تجد، ثم قال: وفيه نظر. وقال: ويجوز أن يكون العامل فيه فعلا مضمرا، أى:

واذكر يا محمد يوم تجد، ويجوز أن يكون العامل فيه {الْمَصِيرُ} أى: وإليه المصير فى يوم تجد، ويجوز أن يكون العامل فيه {قَدِيرٌ}، أى قدير فى يوم تجد (٢).

انتهى كلامه.

وأقول: إنه لا يجوز أن يكون العامل فيه {يُحَذِّرُكُمُ}؛ لأنّ تحذير الله للعباد إنما يكون فى الدّنيا دون الآخرة، ولا يصحّ أن يكون مفعولا به، كما كان كذلك فى قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} (٣)، وقوله: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} (٤)، وقوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (٥)، وإنما لم يجز أن يكون اليوم فى هذه الآيات ظرفا؛ لأنّ الإنذار لا يكون فى يوم القيامة. فانتصب اليوم فيهنّ انتصاب الصاعقة فى قوله: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً} (٦)، وإنما لم يصحّ أن يكون اليوم فى قوله: {يَوْمَ تَجِدُ} مفعولا به؛ لأنّ الفعل من قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} قد تعدّى إلى ما يقتضيه من المفعول به، ولا يجوز أن يعمل فيه المصدر الذى هو {الْمَصِيرُ} للفصل بينهما (٧)، ولا يعمل فيه أيضا {قَدِيرٌ}؛ لأنّ قدرة الله على الأشياء كلّها لا تختصّ بزمان دون زمان (٨)، فبقى أن يعمل فيه المضمر الذى هو «اذكر»،


(١) سورة آل عمران ٣٠.
(٢) المشكل ١/ ١٣٤ (دمشق)،١/ ١٥٥ (بغداد).
(٣) سورة غافر ١٨.
(٤) سورة غافر ١٥.
(٥) سورة مريم ٣٩.
(٦) سورة فصلت ١٣، ويريد النصب على المفعولية.
(٧) وهذا ضعيف على قول البصريّين. قال السّمين الحلبى: «وقد يقال: إن جمل الاعتراض لا يبالى بها فاصلة، وهذا من ذاك». الدر المصون ٣/ ١١٥.
(٨) ردّ هذا السّمين، فقال: «لا يقال: يلزم من ذلك تقييد قدرته بزمان؛ لأنه إذا قدر فى ذلك اليوم الذى يسلب كلّ أحد قدرته فلأن يقدر فى غيره بطريق أولى وأحرى، وإلى هذا ذهب أبو بكر بن الأنبارى». الدرّ ٣/ ١١٤، وانظر مقالة الدكتور فرحات.