للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القسم واقعا على أوّل السّورة، وجعل «ما» التى فى قوله: {كَما أَخْرَجَكَ} بمعنى الذى، وجعلها واقعة على القديم تعالى جدّه، مع جعله الكاف بمعنى الواو، فقال فى حكايته: الأنفال لله والرسول والذى أخرجك. وهذا لو كان على ما تلفّظ به لوجب أن يكون فاعل {أَخْرَجَكَ} مضمرا عائدا على «الذى»، وكيف يكون فى {أَخْرَجَكَ} ضمير، والفاعل {رَبُّكَ}؟ فكأنه قيل: الأنفال لله والرسول والذى أخرجك ربّك. ثم تعليقه لهذا الذى زعم أنه قسم، بأوّل السّورة يجرى مجرى القول الذى قبله فى تباعد المتعاقدين.

وأمّا قوله: إن موضع الكاف نصب على أنها نعت لمصدر {يُجادِلُونَكَ} فإنه أيضا قول فاسد؛ لأنّ قوله: {يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ} معناه: فى إخراجك من بيتك وخروجهم معك، فلهذا قال: {كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} فيكون المعنى على هذا التأويل: يجادلونك فى إخراجك من بيتك جدالا مثل ما أخرجك ربّك من بيتك. فهذا تشبيه الشىء بنفسه؛ لأنه تشبيه إخراجه من بيته بإخراجه من بيته.

وقوله: إن الكاف تكون نعتا لمصدر يدلّ عليه (١) معنى الكلام، تقديره: قل الأنفال ثابتة لله والرسول ثبوتا كما أخرجك. فهذا أيضا ضعيف لتباعد ما بينهما.

وأقرب هذه الأقوال إلى الصحّة قوله: إن الكاف تكون نعتا للمصدر الذى هو {حَقًّا} (٢) لأمرين: أحدهما تقارب ما بينهما، والآخر: أنّ إخراجه من بيته كان حقّا، بدلالة وصفه له بالحقّ فى قوله: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}.

وإيراد مكّىّ لهذه الأقوال الفاسدة، من غير إنكار شيء منها دليل على أنه كان مثل قائليها فى عدم البصيرة.


(١) فى الأصل: «على». خطأ.
(٢) ذكر هذا الوجه أبو الحسن الأخفش، فى معانى القرآن ص ٣٤٥، وراجع الموضع السابق عن البحر، والدرّ المصون ٥/ ٥٥٩.