للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول فى تحقيق إعراب هذا الحرف (١): أن قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ} الآية، نزلت فى أنفال أهل بدر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه (٢) لمّا رأى قلّة أصحابه وكراهيتهم للقتال قال ليرغّبهم فى القتال: «من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا (٣)». فلما فرغ من أهل بدر قام سعد بن معاذ (٤)، فقال: يا رسول الله، إن نفّلت هؤلاء ما سمّيت لهم بقى كثير من المسلمين بغير شيء. فأنزل الله: {قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ} فى قسمة الغنائم، فهى له يصنع فيها ما يشاء. فسكتوا وفى أنفسهم من ذلك كراهية، وهو قوله: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} على كره منهم من المسلمين، فامض لأمر الله فى المغانم، كما مضيت على مخرجك وهم له كارهون. فموضع الكاف على هذا رفع، بأنها مع ما اتّصلت به خبر مبتدأ محذوف، فالتقدير: كراهيتهم لقسمتك الأنفال كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإن فريقا من المؤمنين لكارهون، فقوله: {كَما أَخْرَجَكَ} معناه: مثل إخراجك. وإن قدّرت المبتدأ «هذا» وأشرت به إلى كراهيتهم لقسمة النبىّ للأنفال، فأردت: هذا كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ، فحسن. وبالله التوفيق.

ومن أغاليطه فى سورة براءة، ما قاله فى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ}


(١) راجع المجلس الثالث عشر.
(٢) هكذا فى النّسخ الثلاث، بدون ذكر «وسلّم». وهذه طريقة لبعض العلماء المتقدمين، وقد رأيتها فى أسلوب الشافعىّ فى الرسالة، والحربىّ فى غريب الحديث، والخطابىّ فى غريب الحديث أيضا، والهروىّ فى الغريبين. وانظر حكم الصلاة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم نطقا وخطأ فى الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع للخطيب ١/ ٢٧١، ومقدمة تحقيق الرسالة ص ٢٥، ومتن الرسالة ص ١٧، وطبقات الشافعية ١/ ٢٢.
(٣) أسباب النزول للواحدى ص ٢٢٨، وتخريج الحديث فى حواشى محقّقه شيخنا السيد أحمد صقر رحمه الله رحمة سابغة. وانظره أيضا فى مصنّف عبد الرزاق ٥/ ٢٣٩.
(٤) هكذا هنا وفيما سبق فى المجلس الثالث عشر، ومثله فى معانى القرآن للفراء ١/ ٤٠٣، والذى فى مصنف عبد الرزاق، وتفسير ابن كثير ٣/ ٥٤٩، والدر المنثور ٣/ ١٦٠، وسير أعلام النبلاء ١/ ٢٧٤: «سعد بن عبادة».