للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصواب عطف {الَّذِينَ لا يَجِدُونَ} على {الْمُطَّوِّعِينَ}، فالتقدير:

يلمزون الأغنياء المتطوّعين، ويلمزون ذوى الأموال الحقيرة، الذين لا يجدون إلاّ جهدهم، وذلك أن عبد الرحمن بن عوف أتى بصرّة من ذهب تملأ الكفّ، وأتى رجل يقال له: أبو عقيل (١) بصاع من تمر، فعابه المنافقون بذلك، فقالوا: ربّ محمد غنىّ عن صاع هذا. فالنّحّاس إذن مصيب (٢)، والرادّ عليه هو المخطئ.

وقال فى قوله تعالى، فى سورة يونس: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اِسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ} (٣) قوله: {اِسْتِعْجالَهُمْ} مصدر، تقديره: استعجالا مثل استعجالهم، ثم أقام الصفة، وهى «مثل» مقام الموصوف، وهو الاستعجال، ثم أقام المضاف إليه، وهو «استعجالهم» مقام المضاف، وهو «مثل» هذا مذهب سيبويه. وقيل: تقديره: كاستعجالهم، فلمّا حذف حرف الجرّ نصب. ويلزم من قدّر حذف حرف الجرّ منه أن يجيز: زيد الأسد، فينصب الأسد، على تقدير:

كالأسد (٤).

قلت: لا يلزم من قدّر الكاف فى قوله: {اِسْتِعْجالَهُمْ} أن يجيز: زيد الأسد؛ لأن الكاف حرف شاعت فيه الاسميّة، حتى دخل عليه الخافض، وأسند إليه الفعل (٥)، وليس من الحروف الخافضة التى إذا أسقطتها نصبت ما بعدها، وإنما هى أداة تشبيه، إذا حذفت جرى ما بعدها على إعراب ما قبلها، كقولك: فينا رجل كأسد، ورأيت رجلا كأسد، ومررت برجل كأسد، تقول إذا ألقيتها: فينا رجل أسد، ورأيت رجلا أسدا، ومررت برجل أسد، فلا يجوز: زيد الأسد، بالنصب؛ لأنّ منزلتها منزلة «مثل» فى قولك: زيد مثل بكر، تقول إذا حذفت


(١) الأنصارى. واختلف فى اسمه، على ما تراه فى حواشى تفسير الطبرى ١٤/ ٣٨٤.
(٢) النحاس ينبغى أن يكون هو المخطئ، وفق ما قرّره ابن الشجرى، وراجع التعليق السابق.
(٣) سورة يونس ١١.
(٤) المشكل ١/ ٣٧٥ (دمشق)،١/ ٣٤٠ (بغداد).
(٥) راجع المجلسين: السابع والستين، والحادى والسبعين.